فَلَا يَقَعُ بِهِ التَّحَلُّلُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ فَإِنَّ الْهَدْيَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: لَا يَتَوَقَّتُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ رُخْصَةً وَالتَّوْقِيتُ يُبْطِلُ التَّخْفِيفَ. قُلْنَا: الْمُرَاعَى أَصْلُ التَّخْفِيفِ لَا نِهَايَتُهُ،
ذَبَحَ فِي الْحَرَمِ وَمَا أَكَلَ مِنْهُ الَّذِي مَعَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ الْمُحْصَرِ إنْ كَانَ غَنِيًّا. (قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ) مَرْجِعُ الضَّمِيرِ التَّوَقُّتُ بِالْحَرَمِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ يَذْبَحُ فِي الْحَرَمِ مَعَ قَوْلِهِ وَالْإِرَاقَةُ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان، وَالْآيَةُ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ إمَّا فِي الْإِحْصَارِ بِخُصُوصِهِ أَوْ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ، أَوْ هُوَ مِنْ عُمُومِ اللَّفْظِ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ فَيَتَنَاوَلُ مَنْعَ الْحَلْقِ قَبْلَ الْأَعْمَالِ فِي الْإِحْصَارِ وَبَعْدَهَا فِي غَيْرِهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ وَبَيَّنَ مَحِلَّهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ وَعَنْهَا قُلْنَا: إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُحْصَرُ الْهَدْيَ يَبْقَى مُحْرِمًا حَتَّى يَجِدَهُ فَيَتَحَلَّلَ بِهِ أَوْ يَتَحَلَّلَ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ إنْ لَمْ يَجِدْهُ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ، فَإِنْ اسْتَمَرَّ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ وَلَا إلَى الْهَدْيِ بَقِيَ مُحْرِمًا أَبَدًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ.
وَلَوْ سُرِقَ الْهَدْيُ بَعْدَ ذَبْحِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُسْرَقْ تَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الذَّابِحُ ضَمِنَ قِيمَةَ مَا أَكَلَ إنْ كَانَ غَنِيًّا يَتَصَدَّقُ بِهِ عَنْ الْمُحْصَرِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُحْصَرِ إنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا قَوَّمَ الْهَدْيَ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ أَوْ يَصُومُ مَكَانَ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا فَيَتَحَلَّلُ بِهِ، رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ. قَالَ فِي الْأَمَالِي: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ. قُلْنَا: هَذَا قِيَاسٌ يُخَالِفُ النَّصَّ فِي عَيْنِ الْمَقِيسِ فَلَا يُقْبَلُ. وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: إنْ لَمْ يَجِدْ بَقِيَ مُحْرِمًا. وَقِيلَ يَصُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَتَحَلَّلُ، وَقِيلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ بِإِزَاءِ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا. وَمَنْ أُحْصِرَ فَوَصَلَ إلَى مَكَّةَ لَمْ يَبْقَ مُحْصَرًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَعْمَالِ صَبَرَ حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ وَيَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الْإِحْصَارِ بِالْعَدُوِّ. وَكَذَا قِيلَ: لَوْ قَدِمَ قَارِنٌ فَطَافَ وَسَعَى؛ لِعُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى بَعْضِ الْآفَاقِ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَأُحْصِرَ فَإِنَّهُ يَبْعَثُ بِهَدْيٍ وَيَحِلُّ بِهِ وَيَقْضِي حَجَّةً وَعُمْرَةً لِحَجَّتِهِ وَلَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ لِعُمْرَتِهِ مَعَ أَنَّهُ طَافَ، وَسَعَى لِحَجَّتِهِ، وَلَا يَحِلُّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ الْفَوَاتِ. وَلَوْ أُحْصِرَ عَبْدٌ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ بَعَثَ الْمَوْلَى الْهَدْيَ نَدْبًا، وَلَوْ كَانَ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي وُجُوبِ بَعْثِ الْمَوْلَى وَعَدَمِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَ الْعِتْقِ.
(قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الْمُرَاعَى أَصْلُ التَّخْفِيفِ لَا نِهَايَتُهُ) لَمْ يُذْكَرْ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ اعْتَبَرَ نِهَايَةَ التَّخْفِيفِ، لَكِنْ دَعْوَاهُ الْقَائِلَةُ أَنَّ التَّوْقِيتَ يُبْطِلُ التَّخْفِيفَ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: إنْ قُلْت إنَّ الْمُرَاعَى نِهَايَةُ التَّخْفِيفِ مَنَعْنَاهُ أَوْ أَصْلُهُ، فَبِالتَّوْقِيتِ لَا يَنْتَفِي أَصْلُ التَّخْفِيفِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِتَيَسُّرِ مَنْ يُرْسِلُ مَعَهُ الْهَدْيَ عَادَةً مِنْ الْمُسَافِرِينَ. وَأَمَّا الِاسْتِيضَاحُ عَلَى كَوْنِ الْمُرَاعَى أَصْلَ التَّخْفِيفِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا يَبْقَى مُحْرِمًا أَبَدًا فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَقُولُ بِهِ، بَلْ إذَا لَمْ يَجِدْهُ عِنْدَهُ قُوِّمَتْ شَاةٌ وَسَطٌ فَيَصُومُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute