يَجِبُ قَضَاؤُهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا وَالْعُمْرَةُ لِمَا أَنَّهُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ (وَعَلَى الْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ الْقَضَاءُ) وَالْإِحْصَارُ عَنْهَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَنَا. وَقَالَ مَالِكٌ ﵀: لَا يَتَحَقَّقُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَقَّتُ. وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ وَأَصْحَابَهُ ﵃ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَكَانُوا عُمَّارًا؛ وَلِأَنَّ شَرْعَ التَّحَلُّلِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَإِذَا تَحَقَّقَ الْإِحْصَارُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا تَحَلَّلَ كَمَا فِي الْحَجِّ.
(وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ)
قُلْنَا: لَوْ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى تَحَقَّقَ بِوَصْفِ الْفَوَاتِ تَحَلَّلَ بِالْأَفْعَالِ بِلَا دَمٍ وَلَا عُمْرَةٍ فِي الْقَضَاءِ، ثُمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْحَجَّةِ وَالْعُمْرَةِ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْمُحْصَرِ هُوَ فِيمَا إذَا قَضَاهَا مِنْ قَابِلٍ، فَلَوْ قَضَى الْحَجَّةَ مِنْ عَامِهِ لَا تَجِبُ مَعَهَا عُمْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ كَفَائِتِ الْحَجِّ كَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّعْيِينِ إذَا قَضَاهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ، ذَكَرَهُمَا مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِ نِيَّةُ الْقَضَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافُ وَالتَّفْصِيلُ مَا إذَا أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ بِحَجَّةِ تَطَوُّعٍ فَمَنَعَهَا زَوْجُهَا وَحَلَّلَهَا ثُمَّ أَذِنَ لَهَا بِالْإِحْرَامِ فَأَحْرَمَتْ مِنْ عَامِهَا أَوْ تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ، وَإِذَا قَضَاهُمَا مِنْ قَابِلٍ إنْ شَاءَ قَرَنَ بِهِمَا، وَإِنْ شَاءَ أَفْرَدَهُمَا. وَاعْلَمْ أَنَّ نِيَّةَ الْقَضَاءِ إنَّمَا تَلْزَمُ إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ اتِّفَاقًا فِيمَا إذَا كَانَ الْإِحْصَارُ بِحَجِّ نَفْلٍ، أَمَّا إذَا كَانَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَلَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ حِينَ لَمْ يُؤَدِّهَا فَيَنْوِي حَجَّةَ الْإِسْلَامِ مِنْ قَابِلٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تَتَوَّقَتْ) فَلَا يَتَحَقَّقُ خَوْفُ الْفَوَاتِ. قُلْنَا خَوْفُ الْفَوَاتِ لَيْسَ هُوَ الْمُبِيحُ؛ لِلتَّحَلُّلِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ التَّحَلُّلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَذَلِكَ لَا يَفُوتُ، فَعُلِمَ أَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا أُبِيحَ؛ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ ضَرَرِ امْتِدَادِ الْإِحْرَامِ مَعَ ظُهُورِ عَجْزِهِ عَنْ الْأَدَاءِ.
وَمِنْ فُرُوعِ الْإِحْصَارِ بِالْعُمْرَةِ: رَجُلٌ أَهَلَّ بِنُسُكٍ مُبْهَمٍ فَأُحْصِرَ قَبْلَ التَّعْيِينِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ وَيَقْضِيَ عُمْرَةً اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ حَجَّةً وَعُمْرَةً؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ إنْ كَانَ لِلْحَجِّ لَزِمَاهُ فَكَانَ فِيهِ الِاحْتِيَاطُ لَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ الْمُتَيَقَّنَ وَهُوَ الْعُمْرَةُ فَتَصِيرُ هِيَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ وَلِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ هَذَا الْإِحْرَامِ بِأَدَاءِ عُمْرَةٍ فَكَذَا بَعْدَهُ. وَعَنْ هَذَا أَيْضًا قُلْنَا: لَوْ جَامَعَ قَبْلَ التَّعْيِينِ لَزِمَهُ دَمُ الْجِمَاعِ وَالْمُضِيُّ فِي أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَقَضَاؤُهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ عَيَّنَ نُسُكًا فَنَسِيَهُ ثُمَّ أُحْصِرَ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ تَيَقَّنَّا عَدَمَ نِيَّةِ الْحَجِّ وَهُنَا جَازَ كَوْنُ الْمَنْوِيِّ كَانَ الْحَجَّ فَيَحِلُّ بِهَدْيٍ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ لِهَذَا الِاحْتِيَاطِ. وَلَوْ أَحْرَمَ بِشَيْئَيْنِ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ فَأُحْصِرَ بَعَثَ بِهَدْيَيْنِ وَيَقْضِي حَجَّةً وَعُمْرَتَيْنِ اسْتِحْسَانًا وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذِهِ.
. (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ) يَقْضِيهِمَا بِقِرَانٍ أَوْ إفْرَادٍ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute