(وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبِّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْمَاضِي وَبِالْآخَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ زَوِّجْنِي فَيَقُولَ زَوَّجْتُك) لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ بِالنِّكَاحِ وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَالصَّدَقَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَيْسَ حَقِيقَةً فِيهِ وَلَا مَجَازًا عَنْهُ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لِلتَّلْفِيقِ وَالنِّكَاحَ لِلضَّمِّ، وَلَا ضَمَّ وَلَا ازْدِوَاجَ بَيْنَ الْمَالِكِ
لَا يَنْعَقِدُ بِخِلَافِ جَعَلْنَاهُ.
وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ جَعَلْتُمَا هَذَا نِكَاحًا فَقَالَا نَعَمْ انْعَقَدَ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْجَعْلِ، حَتَّى لَوْ قَالَتْ جَعَلْت نَفْسِي زَوْجَةً لَك فَقَبِلَ ثُمَّ قَالَ أَعْطَيْتُك أَلْفًا عَلَى أَنْ تَكُونِي امْرَأَتِي فَقَبِلَتْ ثُمَّ قَالَ زَوِّجْ بِنْتَك فُلَانَةَ مِنِّي بِكَذَا فَقَالَ ادْفَعْهَا وَاذْهَبْ بِهَا حَيْثُ شِئْت لَا يَنْعَقِدُ. فِي التَّجْنِيسِ كَأَنَّهُ لِأَنَّهُ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الدَّفْعِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِالْمُضَافِ. لَوْ قَالَ زَوَّجْتُكهَا غَدًا فَقَبِلَ لَا يَصِحُّ، فَعَدَمُ صِحَّةِ الْمُعَلَّقِ أَوْلَى. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: يَكُونُ ذَلِكَ نِكَاحًا وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ قَوْلِهِ.
وَيَجُوزُ النِّكَاحُ الْمُعَلَّقُ إذَا كَانَ عَلَى أَمْرٍ مَضَى لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ لِلْحَالِ. وَعَلَيْهِ فُرِّعَ مَا لَوْ قَالَ خَطَبْت بِنْتَك فُلَانَةَ لِابْنِي فُلَانٍ فَقَالَ زَوَّجْتهَا مِنْ فُلَانٍ قَبْلَ هَذَا فَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْخَاطِبُ فَقَالَ إنْ لَمْ أَكُنْ زَوَّجْتهَا مِنْ فُلَانٍ قَبْلُ فَقَدْ زَوَّجْتهَا مِنْ ابْنِك وَقَبِلَ أَبُو الِابْنِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَلَمْ يَكُنْ زَوَّجَهَا مِنْ أَحَدٍ صَحَّ النِّكَاحُ، لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِكَائِنٍ لِلْحَالِ تَحْقِيقٌ وَتَنْجِيزٌ، وَإِذَا أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى نِصْفِهَا مَثَلًا فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَوْضِعٍ جَوَازَهُ كَالطَّلَاقِ
(قَوْلُهُ وَيَنْعَقِدُ إلَخْ) حَاصِلُ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لَا خِلَافَ فِي الِانْعِقَادِ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ بَلْ الْخِلَافُ فِيهِ مِنْ خَارِجِ الْمَذْهَبِ. وَقِسْمٌ فِيهِ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ وَالصَّحِيحُ الِانْعِقَادُ. وَقِسْمٌ فِيهِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ. وَقِسْمٌ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِهِ. وَالْأَوْجَهُ أَنْ تُرَتَّبَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ لِيَلِيَ كُلُّ قِسْمٍ مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ، وَهَكَذَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ إلَّا فِي لَفْظِ الْوَصِيَّةِ.
[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ] مَا سِوَى لَفْظَيْ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ مِنْ لَفْظِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْجَعْلِ نَحْوَ جَعَلْت بِنْتِي لَك بِأَلْفٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَجَوَازُهُ عِنْدَنَا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، فَإِنَّ الْمَجَازَ كَمَا يَجْرِي فِي الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ يَجْرِي فِي الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي تَحَقُّقِ طَرِيقِهِ هُنَا فَنَفَاهُ الشَّافِعِيُّ بِنَاءً عَلَى انْتِفَاءِ مَا يُجَوِّزُ التَّجَوُّزَ. أَمَّا إجْمَالًا فَإِنَّهُ لَوْ وُجِدَ لَصَحَّ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِلَفْظٍ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَكَانَ يُقَالُ أَنْكَحْتُك هَذَا الثَّوْبَ مُرَادًا بِهِ مَلَّكْتُك، كَمَا يُقَالُ مَلَّكْتُك نَفْسِي أَوْ بِنْتِي مُرَادًا بِهِ أَنْكَحْتُك، وَلَيْسَ فَلَيْسَ.
وَأَمَّا تَفْصِيلًا فَلِأَنَّ التَّزْوِيجَ هُوَ التَّلْفِيقُ وَضْعًا وَالنِّكَاحُ لِلضَّمِّ وَلَا ضَمَّ وَلَا ازْدِوَاجَ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكَةِ وَلِذَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ عِنْدَ وُرُودِ مِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَلَوْ كَانَ لَمْ يُنَافِهِ تَأَكَّدَ بِهِ، وَإِنْ صَحَّ هَذَا الْوَجْهُ عَنْهُ كَانَ مُعْتَرِفًا بِأَنَّهُ لُغَةٌ عَلَى خِلَافِ مَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute