للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : النِّكَاحُ فَاسِدٌ (وَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ ثَابِتَ النَّسَبِ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ) لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي الْأَصْلِ لِحُرْمَةِ الْحَمْلِ، وَهَذَا الْحَمْلُ مُحْتَرَمٌ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ إسْقَاطُهُ. وَلَهُمَا أَنَّهَا مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ بِالنَّصِّ وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ كَيْ لَا يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، وَالِامْتِنَاعُ فِي ثَابِتِ النَّسَبِ لِحَقِّ صَاحِبِ الْمَاءِ وَلَا حُرْمَةَ لِلزَّانِي.

(فَإِنْ تَزَوَّجَ حَامِلًا مِنْ السَّبْيِ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ) لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» يَعْنِي إتْيَانَ الْحَبَالَى.

رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ (قَوْلُهُ أَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي الْأَصْلِ) يَعْنِي ثَابِتَ النَّسَبِ. حَاصِلُهُ قِيَاسُ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا عَلَى الْحَامِلِ بِثَابِتِ النَّسَبِ فِي حُكْمٍ هُوَ عَدَمُ صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا فَعَيْنُ عِلَّةِ الْأَصْلِ كَوْنُ حَمْلِهَا مُحْتَرَمًا فَيَمْنَعُ وُرُودَ الْمِلْكِ عَلَى مَحَلِّهِ، وَهَذَا كَذَلِكَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ وَأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ فَيَمْنَعُ الْمِلْكَ. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِعُمُومِ ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ وَحِينَ عُلِمَ أَنَّهُ يَرِدُ مِنْ قِبَلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ هَذَا مَخْصُوصٌ عَلَى مَا قِيلَ فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِالْقِيَاسِ احْتَاجَ إلَى مَنْعِ عِلَّتِهِ فَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ فِي الْأَصْلِ احْتِرَامُ الْحَمْلِ بَلْ احْتِرَامُ صَاحِبِ الْمَاءِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِي الْفَرْعِ إذْ لَا حُرْمَةَ لِلزَّانِي. وَمِنْهُمْ مَنْ يَزِيدُ فِي تَعْيِينِ الْعِلَّةِ فَيَقُولُ الِامْتِنَاعُ فِي الْأَصْلِ لِحُرْمَةِ الْحَمْلِ فَيُصَانُ عَنْ سَقْيِهِ بِمَاءٍ حَرَامٍ، وَقَدْ يُزَادُ أَيْضًا فَيُقَالُ: فَيُصَانُ عَنْ سَقْيِهِ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ الْوَطْءُ لِحُرْمَةِ السَّقْيِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ لَا يَصِحُّ، وَهِيَ زِيَادَةٌ تُوجِبُ النَّقْصَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا لَوْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَحِلِّ الْوَطْءِ وَلَمْ نَقُلْ بِهِ فَيُقَالُ: إنْ قُلْت لَا يَتَرَتَّبُ مُطْلَقًا مَنَعْنَاهُ أَوْ فِي الْحَالِ فَقَطْ مَنَعْنَا اقْتِضَاءَهُ الْبُطْلَانَ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَدْفَعُ التَّعْلِيلَ بِحُرْمَةِ صَاحِبِ الْمَاءِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِحَقِّهِ لَجَازَ بِأَمْرِهِ، فَالْأَوْلَى تَعْلِيلُ الْمَنْعِ فِي الْأَصْلِ بِلُزُومِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ وَهُوَ السَّبَبُ فِي امْتِنَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا.

وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا الدَّفْعَ مُغَالَطَةٌ خُيِّلَ أَنَّ حُرْمَتَهُ وَحَقَّهُ وَاحِدٌ وَهُوَ مَعْنَى الْحَقِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مَعْنَى حُرْمَتِهِ أَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَ لَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ مَنْعُ الْعَقْدِ عَلَى مَحَلِّ مَائِهِ مَا دَامَ قَائِمًا، وَحُرْمَتُهُ لَا تَسْقُطُ بِإِذْنِهِ فِي الْعَقْدِ، إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ عَلَى الْمَسْبِيَّةِ الْحَامِلِ وَالْمُهَاجِرَةِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَلَا، فَالْمُطَّرِدُ مَا ذَكَرْنَا عَلَى مَا هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ أَنْسَبُ بِالتَّعْلِيلِ بِحُرْمَةِ صَاحِبِ الْمَاءِ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>