وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ مَعَ نَهْيِهَا.
قَالَ (وَإِذَا اسْتَأْذَنَهَا فَسَكَتَتْ أَوْ ضَحِكَتْ فَهُوَ إذْنٌ) لِقَوْلِهِ ﷺ «الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ رَضِيَتْ» وَلِأَنَّ جَنْبَةَ الرِّضَا فِيهِ رَاجِحَةٌ، لِأَنَّهَا تَسْتَحْيِي عَنْ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ لَا عَنْ الرَّدِّ، وَالضَّحِكُ أَدَلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ السُّكُوتِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَكَتْ لِأَنَّهُ دَلِيلُ السُّخْطِ وَالْكَرَاهَةِ. وَقِيلَ إذَا
الْأَبِ كَالْأَبِ وَلَا يَمْلِكُ غَيْرُهُمَا قَبْضَ الْمَهْرِ وَلَا الْأُمُّ إلَّا بِحُكْمِ الْوِصَايَةِ وَالزَّوْجَةُ صَغِيرَةٌ، حَتَّى لَوْ قَبَضَتْ الْأُمُّ بِلَا وِصَايَةٍ فَكَبُرَتْ الْبِنْتُ لَهَا مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ وَيَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْأُمِّ، كَذَا ذَكَرَ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ زَادَ: لِلْقَاضِي قَبْضُ صَدَاقِ الْبِكْرِ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً إلَّا إذَا زُفَّتْ. وَلَوْ طَلَبَ الْأَبُ مَهْرَهَا، أَعْنِي الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ فَقَالَ الزَّوْجُ دَخَلْتُ بِهَا: يَعْنِي فَلَا تَمْلِكَ قَبْضَهُ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ الْأَبْكَارِ وَقَالَ الْأَبُ بَلْ هِيَ بِكْرٌ فِي مَنْزِلِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَدَّعِي حَادِثًا بِلَا بَيِّنَةٍ، فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ حَلِّفْهُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنِّي دَخَلْتُ بِهَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَحْلِفَ وَهُوَ صَوَابٌ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ صَحَّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْمَهْرِ وَكَانَتْ الْمُطَالَبَةُ لِلْبِنْتِ فَكَانَ التَّحْلِيفُ مُفِيدًا. قَالَ: وَرَأَيْت فِي أَدَبِ الْخَصَّافِ بِأَنَّهُ لَا يَحْلِفُ، وَلَوْ طَالَبَتْ الزَّوْجَ فَادَّعَى دَفْعَهُ لِلْأَبِ وَلَا بَيِّنَةَ غَيْرَ أَنَّ الْأَبَ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَهُ إنْ كَانَتْ الْبِنْتُ بِكْرًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ صُدِّقَ أَوْ ثَيِّبًا فَلَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حَالَةَ الْبَكَارَةِ فِي حَالِ وِلَايَةِ قَبْضِهِ بِخِلَافِ حَالِ الثُّيُوبَةِ، وَلَا يُشْكِلُ عَدَمُ تَصْدِيقِهِ حَالَ الثُّيُوبَةِ إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً، فَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً صُدِّقَ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا صَغِيرَةً فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ بَلَغَتْ فَطَلَبَتْ الْمَهْرَ فَقَالَ الزَّوْجُ دَفَعْته إلَى أَبِيك وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ وَصَدَّقَهُ الْأَبُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا الْيَوْمَ. وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْمَهْرَ مِنْ الزَّوْجِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْقَبْضَ إلَّا إنْ قَالَ عِنْدَ الْقَبْضِ الْمَهْرُ أَخَذْته مِنْك عَلَى أَنْ أَبْرَأْتُك مِنْ صَدَاقِ بِنْتِي، فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ إذَا أَنْكَرَتْ
(قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتَأْذَنَهَا فَسَكَتَتْ إلَخْ) ظَاهِرٌ حُكْمًا وَدَلِيلًا، وَالْمُرَادُ بِالسُّكُوتِ الِاخْتِيَارِيُّ، فَلَوْ أَخَذَهَا سُعَالٌ أَوْ عُطَاسٌ أَوْ أَخَذَ فَمَهَا فَخَلَصَتْ فَرَدَّتْ ارْتَدَّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ.
فِي التَّجْنِيسِ: حَتَّى لَوْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا فَسَكَتَتْ وَهِيَ لَا تَعْلَمُ أَنَّ السُّكُوتَ رِضًا جَازَ، وَلَوْ تَبَسَّمَتْ يَكُونُ إذْنًا فِي الصَّحِيحِ، وَمَا حَكَاهُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ إذَا ضَحِكَتْ كَالْمُسْتَهْزِئَةِ لَا يَكُونُ رِضًا، وَضِحْكُ الِاسْتِهْزَاءِ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يَحْضُرُهُ، وَإِذَا بَكَتْ بِلَا صَوْتٍ لَا يَكُونُ رَدًّا اُخْتِيرَ لِلْفَتْوَى. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي االْبُكَاءِ أَنَّهُ رِضًا؛ لِأَنَّهُ لِشِدَّةِ الْحَيَاءِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ رُدَّ؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ لِإِظْهَارِ الْكَرَاهَةِ. وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ اعْتِبَارُ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ فِي الْبُكَاءِ وَالضَّحِكِ، فَإِنْ تَعَارَضَتْ أَوْ أُشْكِلَ اُحْتِيطَ، وَعَنْ هَذَا مَا اعْتَبَرَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ دُمُوعَهَا إنْ كَانَتْ حَارَّةً فَهُوَ رَدٌّ أَوْ بَارِدَةً فَهُوَ رِضًا، لَكِنَّهُ اعْتِبَارٌ قَلِيلُ الْجَدْوَى أَوْ عَدِيمُهُ، إذْ الْإِحْسَاسُ بِكَيْفِيَّتَيْ الدَّمْعِ لَا يَتَهَيَّأُ إلَّا لِخَدِّ الْبَاكِي، وَلَوْ ذَهَبَ إنْسَانٌ يُحِسُّهُ لَا يُدْرِكُ حَقِيقَةَ الْمَقْصُودِ وَلَيْسَ بِمُعْتَادٍ وَلَا يَطْمَئِنُّ بِهِ الْقَلْبُ، إلَّا أَنَّهُ كَذَا ذَكَرَ.
وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ مَسَائِلَ اعْتَبَرْت السُّكُوتَ فِيهَا رِضًا مِنْهَا هَذِهِ، وَضَمَمْت إلَيْهَا مَا تَيَسَّرَ وَقَدْ جَمَعْتهَا فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ تَسْهِيلًا لِحِفْظِهَا:
سُكُوتُ بِكْرٍ فِي النِّكَاحِ وَفِي … قَبْضِ الْأَبْيَنِ صَدَاقُهَا إذْنُ
قَبْضُ الْمُمَلَّكِ وَالْمَبِيعِ وَلَوْ … فِي فَاسِدٍ وَإِذَا اشْتَرَى قِنُّ
وَكَذَا الصَّبِيُّ وَذُو الشِّرَاءِ إذَا … كَانَ الْخِيَارُ لَهُ كَذَا سَنُّوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute