للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَعَيَّرُ بِهِ.

(وَإِذَا زَوَّجَ الْأَبُ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ وَنَقَصَ مِنْ مَهْرِهَا أَوْ ابْنَهُ الصَّغِيرَ وَزَادَ فِي مَهْرِ امْرَأَتِهِ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَجُوزُ الْحَطُّ وَالزِّيَادَةُ إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ) وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَطَّ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَيْسَ مِنْ النَّظَرِ فِي شَيْءٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ،

وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ تَعَيَّنَ هَذَا الْوَضْعُ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا الْوَلِيُّ بِالتَّزْوِيجِ وَلَمْ يُسَمِّ مَهْرًا فَعَقَدَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحَّ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَكَذَا لَوْ أَكْرَهَ السُّلْطَانُ امْرَأَةً وَوَلِيَّهَا عَلَى تَزْوِيجِهَا بِمَهْرٍ قَلِيلٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ زَالَ الْإِكْرَاهُ وَرَضِيَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَرْضَ الْوَلِيُّ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْوَضْعُ دَلَالَةً عَلَى رُجُوعِ مُحَمَّدٍ إلَى قَوْلِهِمَا اهـ.

وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَنَا إذَا تَزَوَّجَتْ وَنَقَصَتْ لَا يَنْقُصُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَامٌّ فِي الصُّوَرِ عَلَى مَا هُوَ حَالُ أَسْمَاءِ الشَّرْطِ، فَبِاعْتِبَارِ عُمُومِهِ يَكُونُ شَهَادَةً صَادِقَةً وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ، وَبِاعْتِبَارِ حَمْلِهِ عَلَى بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ أَعَمُّ مِنْهَا لَا يَكُونُ شَهَادَةً وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُعْتَرِضُ، وَالْأَصْلُ خِلَافُهُ إلَّا أَنْ يُوجِبَ الْحَمْلُ عَلَى بَعْضِ الصُّوَرِ مُوجِبٌ وَتَمَامُ الِاعْتِرَاضِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ. فَتَوْجِيهُ الِاعْتِرَاضِ أَنْ يُقَالَ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى كَذَا لِلصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ شَهَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَجِبُ هَذَا الْحَمْلُ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ هُنَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَرُجُوعُهُ مَرْوِيٌّ أَنَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ الَّذِي يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَصْنِيفَهُ لِلْجَامِعِ قَبْلَ ذَلِكَ فَالْحَقُّ أَنَّهُ رَجَعَ وَلَا شَهَادَةَ فِي هَذِهِ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ وَنَقَصَ مِنْ مَهْرِهَا أَوْ ابْنَهُ الصَّغِيرَ وَزَادَ فِي مَهْرِ امْرَأَتِهِ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا) وَلَزِمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ قَلِيلٍ وَثَبَتَ الْمَالُ كُلُّهُ فِي ذِمَّةِ الصَّغِيرَةِ فِي الثَّانِيَةِ لَا فِي ذِمَّةِ الْأَبِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا فَيَقْضِيهِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ (وَقَالَا: لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَزْوِيجُ الْأَبِ ابْنَتَهُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى هَذَا عَدَمُ الْكَفَاءَةِ فِي غَيْرِ الدِّيَانَةِ. أَمَّا فِيهَا فَلَا، لِمَا قَالُوا: لَوْ كَانَ الْأَبُ مَعْرُوفًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ مَجَانَةً وَفِسْقًا كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَمَنْ زَوَّجَ بِنْتَهُ الصَّغِيرَةَ الْقَابِلَةَ لِلتَّخَلُّقِ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ شِرِّيرٌ فَاسِقٌ ظَهَرَ سُوءُ اخْتِيَارِهِ، وَلِأَنَّ تَرْكَ النَّظَرِ هُنَا مَقْطُوعٌ بِهِ فَلَا يُعَارِضُهُ ظُهُورُ إرَادَةِ مَصْلَحَةٍ تَفُوقُ ذَلِكَ نَظَرًا إلَى شَفَقَةِ الْأُبُوَّةِ.

وَمَا فِي النَّوَازِلِ زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ مِمَّنْ يُنْكِرُ أَنَّهُ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ فَإِذَا هُوَ مُدْمِنٌ لَهُ وَقَالَتْ: لَا أَرْضَى بِالنِّكَاحِ: يَعْنِي بَعْدَمَا كَبِرَتْ إنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ الْأَبُ بِشُرْبِهِ وَكَانَ غَلَبَةُ أَهْلِ بَيْتِهِ صَالِحِينَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا زَوَّجَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ كُفْءٌ يُفِيدُ خِلَافَهُ إذْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ عَرَفَهُ الْأَبُ أَنَّهُ يَشْرَبُهُ فَالنِّكَاحُ نَافِذٌ، وَهُوَ يُنَافِي مَا قُرِّرَ مِنْ أَنَّ الْأَبَ إذَا عُرِفَ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ لَا يَنْفُذُ تَزْوِيجُهُ مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ. وَالْجَوَابُ

<<  <  ج: ص:  >  >>