للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هُوَ الصَّحِيحُ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَدَّعِي الزِّيَادَةَ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ فِيهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَ مَنَافِعِ الْبُضْعِ ضَرُورِيٌّ، فَمَتَى أَمْكَنَ إيجَابُ شَيْءٍ مِنْ الْمُسَمَّى لَا يُصَارُ إلَيْهِ.

وَلَهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ فِي الدَّعَاوَى قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ، وَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي بَابِ النِّكَاحِ، وَصَارَ كَالصَّبَّاغِ مَعَ رَبِّ الثَّوْبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْأَجْرِ يَحْكُمُ فِيهِ الْقِيمَةَ الصَّبْغُ.

وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ أَنْ يَذْكُرَ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا شَرْعًا: أَعْنِي أَنْ يَذْكُرَ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْبَيْعِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ بَعْدَ الْهَلَاكِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ وَلَيْسَ فِي الثَّمَنِ تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ. وَقَدْ يُقَالُ: ذَلِكَ لِتَعَيُّنِ كَوْنِ الِاسْتِنْكَارِ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْمُسْتَنْكَرِ بِطَرِيقٍ آخَرَ، أَمَّا هُنَا فَكَمَا يُتَصَوَّرُ الْمُسْتَنْكَرُ عُرْفًا يُتَصَوَّرُ شَرْعًا. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُسْتَنْكَرَ شَرْعًا دَاخِلٌ فِي الْمُسْتَنْكَرِ عُرْفًا، فَإِنَّ مَا يُسْتَنْكَرُ شَرْعًا يُسْتَنْكَرُ عُرْفًا وَلَا عَكْسَ، فَحَيْثُ اعْتَبَرْنَاهُ عُرْفًا فَقَدْ اعْتَبَرْنَاهُ شَرْعًا وَزِيَادَةً، فَصَارَ الْحَاصِلُ مِنْ قَوْلِنَا إنَّ مَا يُسْتَنْكَرُ مُطْلَقًا لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ عُرْفًا أَوْ شَرْعًا، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَرْعًا لَمْ يَتَحَقَّقْ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى خَمْسَةً كَمُلَتْ عَشْرَةٌ وَلَغَا كَلَامُهُ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ فِي كَوْنِهِ مَهْرًا شَرْعًا لَا يَتَجَزَّأُ وَتَسْمِيَةُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ شَرْعًا كَتَسْمِيَةِ كُلِّهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ حِينَئِذٍ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمُسْتَنْكَرِ. وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ تَصْحِيحِ الْخَمْسَةِ مَثَلًا وَجَعْلَ الْقَوْلِ قَوْلَهُ وَتَكْمِيلَهَا عَشْرَةً هُوَ لِإِتْيَانِهِ بِمَا يُسْتَنْكَرُ فَقَدْ تُصُوِّرَ. وَرَجَّحَ الْوَبَرِيُّ تَفْسِيرَ هَؤُلَاءِ الْبَعْضِ بِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ وَهِيَ تَدَّعِي أَلْفًا وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ لَا يَضْمَنُونَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الشَّهَادَةُ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَمْ تُجْعَلْ الْمِائَةُ مُسْتَنْكَرًا فِي حَقِّهَا: يَعْنِي مَعَ أَنَّ تَسْمِيَةَ الْعَشَرَةِ مُسْتَنْكَرَةٌ فِيمَنْ قِيمَتُهَا عَشْرَةُ أَمْثَالِهَا.

وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ حُكِّمَ مُتْعَةُ مِثْلِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي تَحْكِيمِ مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَوَجَبَ نِصْفُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلُ بَعْدَ يَمِينِهِ عَلَيْهِ عَلَى مَا فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ عَلَى مَا مَرَّ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَكَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ فَنَفْيُ كَوْنِ الْقَوْلِ لِانْتِفَاءِ الظَّاهِرِ مَعَهُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا، الِاشْتِبَاهُ الظَّاهِرُ هَاهُنَا أَنَّهُ مَعَ مَنْ؟ فَقَالَا مَعَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمُسَمَّى فِي الْأَنْكِحَةِ أَنْ لَا يَكُونَ أَقَلَّ مِنْهُ، وَهَذَا أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ يُفِيدُ الظُّهُورَ لِمَنْ هُوَ مِنْ جِهَتِهِ لَيْسَ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ بَلْ بِمَا ذَكَرْنَا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْأَصْلُ بِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الشَّاهِدُ هُنَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ الْقِيمَةُ الضَّرُورِيَّةُ لِلْبُضْعِ إذْ كَانَ لَيْسَ مَالًا، وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ إظْهَارًا لِشَرَفِهِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ بِثُبُوتِ مُسَمًّى، وَهُنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>