(مِنْ كُلِّ حَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ) خَصَّهُ بِحَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ لِأَنَّهُ لَا مَسْح مِنْ الْجَنَابَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِحَدَثٍ مُتَأَخِّرٍ لِأَنَّ الْخُفَّ عُهِدَ مَانِعًا، وَلَوْ جَوَّزْنَاهُ بِحَدَثٍ سَابِقٍ كَالْمُسْتَحَاضَةِ إذَا لَبِسَتْ عَلَى السَّيَلَانِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ
بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْعَزِيمَةَ مَشْرُوعَةٌ مَعَ الْخُفِّ اهـ.
وَمَبْنَى هَذِهِ التَّخْطِئَةِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ فِي صِحَّته نَظَرٌ، فَإِنَّ كَلِمَتَهُمْ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْخُفَّ اُعْتُبِرَ شَرْعًا مَانِعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَتَبْقَى الْقَدَمُ عَلَى طَهَارَتِهَا، وَيَحِلُّ الْحَدَثُ بِالْخُفِّ فَيُزَالُ بِالْمَسْحِ، وَبَنَوْا عَلَيْهِ مَنْعَ الْمَسْحِ لِلْمُتَيَمِّمِ وَالْمَعْذُورَيْنِ بَعْدَ الْوَقْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ.
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلِ فِي الْخُفِّ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ إذَا لَمْ يَبْتَلَّ مَعَهُ ظَاهِرُ الْخُفِّ فِي أَنَّهُ لَمْ يُزَلْ بِهِ الْحَدَثُ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى مَعَ حَدَثٍ وَاجِبِ الرَّفْعِ، إذْ لَوْ لَمْ يَجِبْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِلَا غَسْلٍ وَلَا مَسْحٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَرَكَ ذِرَاعَيْهِ وَغَسْلَ مَحَلًّا غَيْرَ وَاجِبِ الْغَسْلِ كَالْفَخِذِ، وَوِزَانَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِلَا فَرْقٍ، وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْجُرْمُوقَيْنِ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الْحَدَثِ.
وَالْأَوْجَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ كَوْنُ الْإِجْزَاءِ إذَا خَاضَ النَّهْرَ لِابْتِلَالِ الْخُفِّ، ثُمَّ إذَا نُقِضَتْ الْمُدَّةُ إنَّمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا لِحُصُولِ الْغَسْلِ بِالْخَوْضِ، وَالنَّزْعُ إنَّمَا وَجَبَ لِلْغَسْلِ وَقَدْ حَصَلَ.
(قَوْلُهُ مُوجِبٌ لِلْوُضُوءِ) إسْنَادُ الْمُوجِبِيَّةِ لِلْحَدَثِ إمَّا تَجَوُّزٌ أَوْ لِاعْتِقَادِ أَنَّ سَبَبَ الْوُضُوءِ الْحَدَثُ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْبَعْضِ (قَوْلُهُ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ) يُفِيدُ أَنَّ مَنْعَهَا مِنْ الْمَسْحِ بَعْدَ الْوَقْتِ فَقَطْ فَتَمْسَحُ فِي الْوَقْتِ كُلَّمَا تَوَضَّأْت لِحَدَثٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute