بِخِلَافِ الزِّنَا لِأَنَّهُ حَرَامٌ فِي الْأَدْيَانِ كُلِّهَا، وَالرِّبَا مُسْتَثْنًى عَنْ عُقُودِهِمْ لِقَوْلِهِ ﵊ «إلَّا مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ» وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ أَوْ عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ يَحْتَمِلُ نَفْيَ الْمَهْرِ وَيَحْتَمِلُ السُّكُوتَ. وَقَدْ قِيلَ: فِي الْمَيْتَةِ وَالسُّكُوتِ رِوَايَتَانِ،
بِعَقْدِ الذِّمَّةِ مَا يَعْتَقِدُونَ خِلَافَهُ مِنْهَا إلَّا مَا شُرِطَ عَلَيْهِمْ وَلِذَا لَا نَمْنَعُهُمْ مِنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ، كَذَا فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ، وَفِي بَعْضِهَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَحَارِمِ عَلَيْهِمْ وَلَا تَنَافِيَ، فَمَحْمَلُ أَحَدِهِمَا مَنْ تَدَيَّنَ بِحُرْمَتِهِنَّ وَمَحْمَلُ الْآخَرِ مَنْ لَا يَتَدَيَّنُ بِحُرْمَتِهِنَّ كَالْمَجُوسِ فَلَمْ يَلْتَزِمُوا وَلَمْ نُؤْمَرْ بِإِلْزَامِهِمْ بَلْ نَتْرُكُهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَصَارَ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَوْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِيهِمْ الْمَنَعَةُ الْحِسِّيَّةُ وَأُمِرْنَا بِهَدْمِهَا، وَالْمَانِعُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ الْمَنَعَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَأُمِرْنَا بِتَقْرِيرِهَا. بِخِلَافِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ عُقُودِهِمْ. قَالَ ﷺ «إلَّا مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ» رَوَى مَعْنَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ بِسَنَدِهِ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ فَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا وَسَاقَهُ، وَفِيهِ: وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا فَمَنْ أَكَلَ مِنْهُمْ الرِّبَا فَذِمَّتِي مِنْهُمْ بَرِيئَةٌ» وَفِي مُصَنِّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ إلَى الشَّعْبِيِّ «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَى نَجْرَانَ وَهُمْ نَصَارَى أَنَّ مَنْ بَايَعَ مِنْكُمْ بِالرِّبَا فَلَا ذِمَّةَ لَهُ» وَهُوَ مُرْسَلٌ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا. وَإِذَا مُنِعْنَا مِنْ التَّعَرُّضِ لَهُمْ فِيمَا يَدِينُونَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ إلَّا الْمُسْتَثْنَى فَبَعْدَ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَافَعَةِ حَالَ بَقَاءِ النِّكَاحِ وَالْمَهْرِ لَيْسَ شَرْطًا لِبَقَائِهِ.
وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالْمُعَامَلَاتِ إنْ تَمَّ الْمَطْلُوبُ لِزُفَرَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ لِذِمَّتِهِمْ لَا يَقْتَضِي سِوَى أَنْ لَا يُتَعَرَّضَ لَهُمْ مَا لَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِنَا أَوْ يُسَلِّمُوا، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ قِيَامِ لُزُومِ الْمَهْرِ شَرْعًا فِي ذِمَّتِهِمْ. وَحَالَةُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَتْ حَالَةَ الْبَقَاءِ وَالْمَهْرُ لَيْسَ شَرْطًا فِيهَا وَلَا حُكْمًا لَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ بِالتَّقَرُّرِ فِي الذِّمَّةِ أَوَّلَ الْوُجُودِ لَمَّا ارْتَفَعَ مَنْعُ الشَّرْعِ مِنْ التَّعَرُّضِ لَهُمْ.
(قَوْلُهُ وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَيْتَةِ وَالسُّكُوتِ) عَنْ الْمَهْرِ (رِوَايَتَانِ) بِخِلَافِ نَفْيِهِ صَرِيحًا، فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ السُّكُوتِ وَالنَّفْيِ. وَوَجْهُهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ تَمَلُّكَ الْبُضْعِ فِي حَقِّهِمْ كَتَمَلُّكِ الْمَالِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجِبُ الْعِوَضُ فِيهِ إلَّا بِالشَّرْطِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ النِّكَاحَ مُعَاوَضَةٌ، فَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى نَفْيِ الْعِوَضِ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لَهَا وَالْمَيْتَةُ كَالسُّكُوتِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَالًا عِنْدَهُمْ فَذِكْرُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute