للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّهُ يَزْدَادُ الْمِلْكُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْعِتْقِ فَيَمْلِكُ الزَّوْجُ بَعْدَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَتَمْلِكُ رَفْعَ أَصْلِ الْعَقْدِ دَفْعًا لِلزِّيَادَةِ

لَا فِي الْبَقَاءِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ فِي الْبَقَاءِ أَوْ انْتَفَى نَسَبُهُ لَا يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ. وَأَصْحَابُنَا تَارَةً يُعَلِّلُونَهُ بِزِيَادَةِ الْمَلِكِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِحَيْثُ تَخْلُصُ بِثِنْتَيْنِ فَازْدَادَ الْمَلِكُ عَلَيْهَا، وَهَذَا مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُخْتَلِفِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِالرِّجَالِ لَا بِالنِّسَاءِ، وَكَأَنَّهُ اعْتِمَادٌ عَلَى إثْبَاتِ الْأَصْلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ.

وَأَوْرَدَ أَنَّهُ دَفْعُ ضَرَرٍ بِإِثْبَاتِ ضَرَرٍ وَهُوَ رَفْعُ أَصْلِ الْعَقْدِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ إلَّا بِهِ مَعَ أَنَّهُ رَضِيَ بِهِ حَيْثُ تَزَوَّجَ أَمَةً مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا قَدْ تَعْتِقُ، ثُمَّ إنَّهُ اسْتَضْعَفَ بِأَنَّ عَدَمَ مِلْكِهِ الثَّالِثَةَ لَا يَسْتَلْزِمُ نُقْصَانَ مَمْلُوكِيَّتِهَا وَلَا مِلْكِهِ الثَّالِثَةَ يَسْتَلْزِمُ طُولَهَا، فَقَدْ تَطُولُ مَمْلُوكِيَّتُهَا مَعَ مِلْكِهِ ثِنْتَيْنِ بِأَنْ لَا يُطَلِّقَهَا أَصْلًا إلَى الْمَوْتِ فَلَا ضَابِطَ لِذَلِكَ؛ وَتَارَةً بِعِلَّةٍ مَنْصُوصَةٍ وَهِيَ مِلْكُهَا بُضْعَهَا. رَوَى أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ بِسَنَدِهِ إلَى «رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ لَهَا حِينَ أُعْتِقَتْ مَلَكْتِ بُضْعَكِ فَاخْتَارِي» وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لِبَرِيرَةَ لَمَّا أُعْتِقَتْ قَدْ عَتَقَ بُضْعُكِ مَعَكِ فَاخْتَارِي» وَهَذَا مُرْسَلٌ وَهُوَ حُجَّةٌ.

وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ قَالَ لِبَرِيرَةَ لَمَّا عَتَقَتْ اذْهَبِي، فَقَدْ عَتَقَ بُضْعُكِ مَعَكِ» وَلَيْسَ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ فَائِدَةٌ فِيمَا يَظْهَرُ إلَّا التَّنْبِيهُ عَلَى ثُبُوتِ اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ بَرِيرَةَ أَنَّهُ قَالَ لَهَا «مَلَكْتِ نَفْسَكِ فَاخْتَارِي» فَقَدْ تَظَافَرَتْ هَذِهِ الطُّرُقُ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ، وَإِذَنْ فَالْوَاجِبُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ، وَيَكُونُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّعْلِيلِ بِزِيَادَةِ الْمَلِكِ إظْهَارُ حِكْمَةِ هَذِهِ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ، وَمُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهَا فِيمَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَفِيمَا إذَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً عَتَقَتْ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ بَعْدَمَا زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا بِرِضَاهَا أَوْ غَيْرِهِ وَخَالَفَ زُفَرُ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ فِي الْكِتَابِ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْعَقْدَ نَفَذَ بِرِضَاهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَلَوْ صَحَّ لَزِمَ أَنَّ سَيِّدَ الْأَمَةِ لَوْ زَوَّجَهَا بِرِضَاهَا وَمُشَاوَرَتِهَا فِي ذَلِكَ أَنْ لَا خِيَارَ لَهَا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ.

وَالْأَوْجَهُ فِي اسْتِدْلَالِهِ أَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا وَهُوَ قَوْلُهُ «مَلَكْتِ بُضْعَكِ فَاخْتَارِي» إذْ الْمُكَاتَبَةُ كَانَتْ مَالِكَةً لِبُضْعِهَا قَبْلَ الْعِتْقِ. وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْبُضْعِ تَابِعٌ لَمِلْكِ نَفْسِهَا وَلَمْ تَكُنْ مَالِكَةً نَفْسَهَا وَإِنَّمَا كَانَتْ مَالِكَةً لِأَكْسَابِهَا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ قَوْلَهُ «مَلَكْتِ بُضْعَكِ» لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا مَنَافِعُ بُضْعَكِ إذْ لَا يُمْكِنُ مِلْكُهَا لِعَيْنِهِ وَمِلْكُهَا لِأَكْسَابِهَا تَبَعٌ لِمِلْكِهَا لِمَنَافِعِ نَفْسِهَا وَأَعْضَائِهَا فَيَلْزَمُ كَوْنُهَا مَالِكَةً لِبُضْعِهَا بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ قَبْلَ الْعِتْقِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهَا النَّصُّ، وَتَرَجَّحَ قَوْلُ زُفَرَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ كَانَتْ حُرَّةً فِي أَصْلِ الْعَقْدِ ثُمَّ صَارَتْ أَمَةً بِأَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>