للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا أَنَّ الْمَقَاصِدَ قَدْ فَاتَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ تُبْتَنَى عَلَيْهِ الْفُرْقَةُ، وَالْإِسْلَامُ طَاعَةٌ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا فَيُعْرَضُ الْإِسْلَامُ لِتَحْصُلَ الْمَقَاصِدُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ تَثْبُتَ الْفُرْقَةُ بِالْإِبَاءِ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ

فَيَجْعَلُهُ فَسْخًا لَا يَنْقُصُ شَيْئًا مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَجْعَلَانِ الْفُرْقَةَ بِإِبَاءِ الزَّوْجِ طَلَاقًا وَبِإِبَاءِ الْمَرْأَةِ فَسْخًا. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْفُرْقَةَ بِسَبَبٍ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ. يَعْنِي الْإِبَاءَ فَإِنَّهُ مِمَّنْ أَسْلَمَ عَنْ الْكُفْرِ وَمِمَّنْ لَمْ يُسْلِمْ عَنْ الْإِسْلَامِ أَوْ هُوَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُمْكِنُ تَحَقُّقُهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ لَا يَكُونُ طَلَاقًا فَإِنَّهُ يُوجَدُ مِنْهَا وَلَا يَكُونُ طَلَاقًا، وَالْفَرْضُ وِحْدَةُ السَّبَبِ فَصَارَ كَالْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ بِالرَّضَاعِ فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ سَبَبًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَكَانَ فَسْخًا. وَلَهُمَا أَنَّهُ فَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ فَوَجَبَ التَّسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ، فَإِنْ طَلَّقَ وَإِلَّا نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ طَلَاقًا إذَا كَانَ نَائِبًا عَمَّنْ إلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنُوبُ عَنْهُ فِيمَا إلَيْهِ التَّفْرِيقُ بِهِ وَاَلَّذِي إلَيْهِ الطَّلَاقُ.

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَاَلَّذِي إلَيْهَا عِنْدَ قُدْرَتِهَا عَلَى الْفُرْقَةِ شَرْعًا الْفَسْخُ، فَإِذَا أَبَتْ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهَا فِيمَا إلَيْهَا التَّفْرِيقُ بِهِ فَلَا تَكُونُ الْفُرْقَةُ إلَّا فَسْخًا فَالْقَاضِي نَائِبٌ مَنَابَهُمَا فِيهِمَا، بِخِلَافِ مَا قَاسَ عَلَيْهِ مِنْ الْمِلْكِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ فَإِنَّ الْفُرْقَةَ فِيهِمَا لَا بِهَذَا الْمَعْنَى بَلْ لِلتَّنَافِي. وَأَمَّا خِيَارُ الْبُلُوغِ فَإِنَّ مِلْكَ الْفُرْقَةِ فِيهِ لِتَطَرُّقِ الْخَلَلِ إلَى الْمَقَاصِدِ بِسَبَبِ قُصُورِ شَفَقَةِ الْعَاقِدِ لِقُصُورِ قَرَابَتِهِ. وَعَلَى اعْتِبَارِ تَحَقُّقِ هَذَا التَّطَرُّقِ لَا يَكُونُ لِلنِّكَاحِ انْعِقَادٌ مِنْ الْأَصْلِ، فَالْوَجْهُ فِي الْفُرْقَةِ الْكَائِنَةِ عَنْهُ كَوْنُهَا فَسْخًا. وَبِخِلَافِ رِدَّتِهِ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ فِيهَا لِلتَّنَافِي: أَيْ هِيَ تُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً، وَلِذَا لَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَفِيٍّ، وَالضَّرَرُ فِي هَذِهِ جَلِيٌّ وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْإِبَاءِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْإِبَاءَ غَيْرُ مُنَافٍ لِلنِّكَاحِ.

[فَرْعٌ]

يَقَعُ طَلَاقُ زَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ وَزَوْجِ الْمُسْلِمَةِ الْآبِي بَعْدَ التَّفْرِيقِ عَلَيْهِمَا مَا دَامَتَا فِي الْعِدَّةِ، أَمَّا فِي الْإِبَاءِ فَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِالطَّلَاقِ، وَأَمَّا فِي الرِّدَّةِ فَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِالرِّدَّةِ غَيْرُ مُتَأَبِّدَةٍ فَإِنَّهَا تَرْتَفِعُ بِالْإِسْلَامِ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ مُسْتَتْبِعًا فَائِدَتُهُ مِنْ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ حُرْمَةً مُغَيَّاةً بِوَطْءِ زَوْجٍ آخَرَ. بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ فَإِنَّهَا مُتَأَبِّدَةٌ لَا غَايَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>