وَصَارَ كَالشِّرَاءِ ثُمَّ هُوَ يَقْتَضِي الصَّفَاءَ فِي مَحَلِّ عَمَلِهِ وَهُوَ الْمَالُ لَا فِي مَحَلِّ النِّكَاحِ. وَفِي الْمُسْتَأْمَنِ لَمْ تَتَبَايَنْ الدَّارُ حُكْمًا
يَكُونَ مُوجِبًا غَيْرَ ذَلِكَ، وَإِذَنْ فَمَا اقْتَضَاهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَزِمَ السَّبْيَ تَبَعًا لِمِلْكِهَا، وَمَا لَا فَلَا، وَمِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا يَقْتَضِي مِلْكَ النِّكَاحِ إلَّا إذَا وَرَدَ عَلَى خَالٍ عَنْ مَمْلُوكِيَّتِهِ أَوْ مَالِكِيَّتِهِ، وَكَذَا ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ وَبَقَاؤُهُ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى فَهُوَ كَسَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ مِنْ الشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْإِرْثِ وَزَوَالِ أَمْلَاكِ الْمَسْبِيِّ لِثُبُوتِ رِقِّهِ، وَالْعَبْدُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الْمَالِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ فَيَمْلِكُهُ إذَا ابْتَدَأَ وُجُودَهُ بِطَرِيقِ الصِّحَّةِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ سَيِّدُهُ التَّطْلِيقَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى إذْنِهِ لِمَا يَسْتَلْزِمُ مِنْ تَنْقِيصِ مَالِيَّتِهِ. وَسُقُوطُ الدَّيْنِ الْكَائِنِ لِكَافِرٍ عَلَى الْمَسْبِيِّ الْحُرِّ لَيْسَ مُقْتَضَى السَّبْيِ بَلْ لِتَعَذُّرِ بَقَائِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَبْقَى مَا كَانَ وَهُوَ حِينَ وَجَبَ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ لَا شَاغِلًا لِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ.
وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ بَعْدَ الرِّقِّ بِالسَّبْيِ إلَّا شَاغِلًا لَهَا فَيَصِيرُ الْبَاقِي غَيْرَهُ، وَلِذَا لَوْ كَانَ الْمَسْبِيُّ عَبْدًا مَدْيُونًا كَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ بِالسَّبْيِ. نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْمَأْذُونِ. فَإِنْ قِيلَ: بَلْ يَجُوزُ كَوْنُ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِرَقَبَتِهِ، وَلِذَا يَثْبُتُ الدَّيْنُ بِإِقْرَارِهِ بِهِ وَلَا يُبَاعُ فِيهِ. أُجِيبَ بِمَنْعِ تَعَلُّقِهِ فِي الْعَبْدِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَا يُطَالَبُ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَسْرِي فِي حَقِّ الْمَوْلَى، حَتَّى لَوْ ثَبَتَ بِالِاسْتِهْلَاكِ قَطْعًا مُعَايَنَةُ بَيْعٍ فِيهِ. وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قِصَّةِ أَبِي سُفْيَانَ فَالْحَقُّ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَمْ يَكُنْ حَسَنَ الْإِسْلَامِ يَوْمئِذٍ بَلْ وَلَا بَعْدَ الْفَتْحِ، وَهُوَ شَاهَدَ حُنَيْنًا عَلَى مَا تُفِيدُهُ السِّيَرُ الصَّحِيحَةُ مِنْ قَوْلِهِ حِينَ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ: لَا تَرْجِعُ هَزِيمَتُهُمْ إلَى الْبَحْرِ. وَمَا نُقِلَ أَنَّ الْأَزْلَامَ حِينَئِذٍ كَانَتْ مَعَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَشْهَدُ بِمَا ذَكَرْنَا مِمَّا نُقِلَ مِنْ كَلَامِهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ وَإِنَّمَا حَسُنَ إسْلَامُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ﵁، وَاَلَّذِي كَانَ إسْلَامُهُ حَسَنًا حِينَ أَسْلَمَ هُوَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، وَأَمَّا عِكْرِمَةُ وَحَكِيمٌ فَإِنَّمَا هَرَبَا إلَى السَّاحِلِ وَهُوَ مِنْ حُدُودِ مَكَّةَ فَلَمْ تَتَبَايَنْ دَارُهُمْ. وَأَمَّا أَبُو الْعَاصِ فَإِنَّمَا رَدَّهَا عَلَيْهِ ﷺ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، رَوَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْجَمْعُ إذَا أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ إهْدَارِ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ بِحَمْلِ قَوْلِهِ عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ عَلَى مَعْنَى بِسَبَبٍ سَبَقَهُ مُرَاعَاةً لِحُرْمَتِهِ كَمَا يُقَالُ ضَرَبْته عَلَى إسَاءَتِهِ، وَقِيلَ قَوْلُهُ رَدَّهَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا مَعْنَاهُ عَلَى مِثْلِهِ لَمْ يُحْدِثْ زِيَادَةً فِي الصَّدَاقِ وَالْحِبَاءِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ حَسَنٌ.
هَذَا وَمَا ذَكَرْنَاهُ مُثْبِتٌ وَعَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ نَافٍ؛ لِأَنَّهُ مُبْقٍ عَلَى الْأَصْلِ. وَأَيْضًا يُقْطَعُ بِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَيْنَ زَيْنَبَ وَبَيْنَ أَبِي الْعَاصِ بِمُدَّةٍ تَزِيدُ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ، فَإِنَّهَا أَسْلَمَتْ بِمَكَّةَ فِي ابْتِدَاءِ الدَّعْوَةِ حِينَ دَعَا ﷺ زَوْجَتَهُ خَدِيجَةَ وَبَنَاتَهُ، وَلَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute