لِقَصْدِهِ الرُّجُوعَ.
(وَإِذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ إلَيْنَا مُهَاجِرَةً جَازَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَلْزَمُهَا حُكْمُ الْإِسْلَامِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَثَرُ النِّكَاحِ الْمُتَقَدِّمِ وَجَبَتْ إظْهَارًا لِخَطَرِهِ، وَلَا خَطَرَ لَمِلْكِ الْحَرْبِيِّ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمَسْبِيَّةِ
فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ، وَدَلِيلُ السَّمْعِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ﴾ إلَى قَوْلِهِ ﴿فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ وَقَدْ أَفَادَ مِنْ ثَلَاثِ نُصُوصٍ عَلَى وُقُوعِ الْفُرْقَةِ وَمِنْ وَجْهٍ اقْتِضَائِيٍّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿فَلا تَرْجِعُوهُنَّ﴾
. (قَوْلُهُ وَإِذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ إلَيْنَا مُهَاجِرَةً) أَيْ تَارِكَةً الدَّارَ إلَى أُخْرَى عَلَى عَزْمِ عَدَمِ الْعَوْدِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَخْرُجَ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً. هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ حُكْمٌ آخَرُ عَلَى بَعْضِ مَا تَضَمَّنَهُ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ إذَا خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مُهَاجِرًا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ، وَهَذِهِ إذَا كَانَ الْخَارِجُ مِنْهُمَا الْمَرْأَةَ وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ اتِّفَاقًا، هَلْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ؟ فِيهَا خِلَافٌ. عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا، فَتَتَزَوَّجُ لِلْحَالِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَتَتَرَبَّصُ لَا عَلَى وَجْهِ الْعِدَّةِ بَلْ لِيَرْتَفِعَ الْمَانِعُ بِالْوَضْعِ، وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ ثُمَّ اخْتَلَفَا لَوْ خَرَجَ زَوْجُهَا بَعْدَهَا وَهِيَ بَعْدُ فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ فَطَلَّقَهَا هَلْ يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ؟ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَقَعُ عَلَيْهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَقَعُ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الْفُرْقَةَ إذَا وَقَعَتْ بِالتَّنَافِي لَا تَصِيرُ الْمَرْأَةُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَصِيرُ وَهُوَ أَوْجَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَحْرَمِيَّةً لِعَدَمِ فَائِدَةِ الطَّلَاقِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَا يَحْتَاجُ زَوْجُهَا فِي تَزَوُّجِهَا إذَا أَسْلَمَ إلَى زَوْجٍ آخَرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهَا حُرَّةٌ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْإِصَابَةِ وَالدُّخُولِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَلْزَمُهَا حُكْمُ الْعِدَّةِ حَقًّا لِلشَّرْعِ كَالْمُطَلَّقَةِ فِي دَارِنَا مِنْ الْمُسْلِمَاتِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ هَاجَرَتْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ فِي دَارِهِمْ وَهُمْ لَا يُؤَاخَذُونَ بِأَحْكَامِنَا هُنَاكَ، وَهَذَا عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ أَصْلَهُمَا أَنَّ الْخِطَابَ يَلْزَمُ الْكُفَّارَ فِي الْمُعَامَلَاتِ، غَيْرَ أَنَّ شَرْطَهُ الْبُلُوغُ وَأَهْلُ الْحَرْبِ لَا يَبْلُغُهُمْ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ حُكْمُهُ، بِخِلَافِ أَهْلِ دَارِنَا مِنْهُمْ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا وَجَبَتْ إظْهَارًا لِخَطَرِ النِّكَاحِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا خَطَرَ لَمِلْكِ الْحَرْبِيِّ، بَلْ أَسْقَطَهُ الشَّرْعُ بِالْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمُهَاجِرَاتِ وَهِيَ ﴿وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ بَعْدَ قَوْلِهِ ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾ فَقَدْ رَفَعَ الْجُنَاحَ عَنْ نِكَاحِ الْمُهَاجِرَةِ وَأَمَرَ أَنْ لَا يُتَمَسَّكَ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ جَمْعُ كَافِرَةٍ، فَلَوْ شَرَطَتْ الْعِدَّةَ لَزِمَ التَّمَسُّكُ بِعُقْدَةِ نِكَاحِهِنَّ الْمَوْجُودَةِ فِي حَالِ كُفْرِهِنَّ، وَبِهَذَا يَبْطُلُ قَوْلُهُمَا وَجَبَتْ لِحَقِّ الشَّرْعِ كَيْ لَا تَخْتَلِطَ الْمِيَاهُ، وَاسْتَغْنَيْنَا بِهِ عَنْ إبْطَالِهِ بِأَنَّ الشَّرْعَ أَبْطَلَ النِّكَاحَ بِالتَّبَايُنِ لِمُنَافَاتِهِ لِلنِّكَاحِ فَقَدْ حُكِمَ بِمُنَافَاتِهِ لِلْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَثَرُهُ حَيْثُ حُكِمَ بِمُنَافَاتِهِ لِمَا لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute