للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ» إلَّا أَنَّا نَقُولُ: إنَّ الْقُرْعَةَ لِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِنَّ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْبَابِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ مُسَافَرَةِ الزَّوْجِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَسْتَصْحِبَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَكَذَا لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْمُدَّةِ.

(وَإِنْ رَضِيَتْ إحْدَى الزَّوْجَاتِ بِتَرْكِ قَسْمِهَا لِصَاحِبَتِهَا جَازَ)؛ لِأَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ

لِمَا رَوَى) الْجَمَاعَةُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ» مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا بِحَدِيثِ الْإِفْكِ. قُلْنَا ذَلِكَ كَانَ اسْتِحْبَابًا لِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِنَّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَكَيْفَ وَهُوَ مَحْفُوفٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْقَسْمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ﴾ وَمِمَّنْ أَرْجَأَ سَوْدَةَ وَجُوَيْرِيَةَ وَأُمَّ حَبِيبَةَ وَصَفِيَّةَ وَمَيْمُونَةَ، ذَكَرَهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمُنْذِرِيُّ، وَمِمَّنْ آوَى عَائِشَةَ وَالْبَاقِيَاتِ ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَثِقُ بِإِحْدَاهُمَا فِي السَّفَرِ وَبِالْأُخْرَى فِي الْحَضَرِ، وَالْقَرَارُ فِي الْمَنْزِلِ لِحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ أَوْ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ، أَوْ يَمْنَعُ مِنْ سَفَرِ إحْدَاهُمَا كَثْرَةُ سِمَنِهَا فَتَعْيِينُ مَنْ يَخَافُ صُحْبَتَهَا فِي السَّفَرِ لِلسَّفَرِ بِخُرُوجِ قُرْعَتِهَا إلْزَامٌ لِلضَّرَرِ الشَّدِيدِ وَهُوَ مُنْدَفِعٌ بِالنَّافِي لِلْحَرَجِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أَلَا يَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَسْتَصْحِبَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَكَذَا لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَظَاهِرٌ فِيهِ مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَنْ يَخْتَصَّ وَاحِدَةً بِالسَّفَرِ بِهَا؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِ السَّفَرِ بِالْكُلِّ تَسْوِيَةٌ، بِخِلَافِ تَخْصِيصِ إحْدَاهُنَّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ اللَّازِمَ التَّسْوِيَةُ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا بَاتَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ لَيْلَةً يَبِيتُ عِنْدَ الْأُخْرَى كَذَلِكَ لَا عَلَى مَعْنَى وُجُوبِ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَائِمًا، فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْمَبِيتَ عِنْدَ الْكُلِّ بَعْضَ اللَّيَالِي وَانْفَرَدَ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ. .

(قَوْلُهُ وَإِنْ رَضِيَتْ إحْدَى الزَّوْجَاتِ بِتَرْكِ قَسْمِهَا لِصَاحِبَتِهَا جَازَ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِرِشْوَةٍ مِنْ الزَّوْجِ بِأَنْ زَادَهَا فِي مَهْرِهَا لِتَفْعَلَ أَوْ تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْرَى فَيُقِيمَ عِنْدَهَا يَوْمَيْنِ وَعِنْدَ الْمُخَاطَبَةِ يَوْمًا فَإِنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ، وَلَا يَحِلُّ لَهَا الْمَالُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ، وَأَمَّا إذَا دَفَعَتْ إلَيْهِ أَوْ حَطَّتْ عَنْهُ مَالًا لِيَزِيدَهَا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ وَلَا يَحِلُّ لَهُمَا وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِي مَالِهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ) بِفَتْحَتَيْنِ «سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يُرَاجِعَهَا» إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ طَلَّقَهَا.

قَالَ مُحَمَّدٌ: بَلَغَنَا «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ لِسَوْدَةِ بِنْتِ زَمْعَةَ اعْتَدِّي فَسَأَلَتْهُ بِوَجْهِ اللَّهِ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَتَجْعَلَ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ لَأَنْ تُحْشَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ أَزْوَاجِهِ» وَاَلَّذِي وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ، بَلْ إنَّهَا جَعَلَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>