للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ النَّصُّ الْمُقَيَّدُ بِحَوْلَيْنِ فِي الْكِتَابِ.

قَالَ (وَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الرَّضَاعِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالرَّضَاعِ تَحْرِيمٌ) لِقَوْلِهِ

الرَّضَاعَةِ وَعَلَيْهِمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ أُجْرَةً لَهُنَّ فِي الْحَوْلَيْنِ، وَإِذَا كَانَتْ الْوَاوُ مِنْ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ لِلْحَالِ مِنْ فَاعِلِ يُتِمَّ كَانَ أَظْهَرَ فِي تَقْيِيدِ الْأُجْرَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ عَلَى الْآبَاءِ أُجْرَةً لِلْمُطَلَّقَةِ لِحَوْلَيْنِ، وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ أَنَّهُ كَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ وَعَلَيْهِ أَوْ وَعَلَيْهِمْ لَكِنْ تُرِكَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى عِلَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَوْنُ الْوَلَدِ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَأَنَّ النِّسْبَةَ إلَى الْآبَاءِ.

وَالْحَاصِلُ حِينَئِذٍ: يُرْضِعْنَ حَوْلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ مِنْ الْآبَاءِ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ بِالْأُجْرَةِ، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ انْتِهَاءَ مُدَّةِ الرَّضَاعَةِ مُطْلَقًا بِالْحَوْلَيْنِ، بَلْ مُدَّةُ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ بِالْإِرْضَاعِ، ثُمَّ يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهَا فِي الْجُمْلَةِ قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا﴾ عَطْفًا بِالْفَاءِ عَلَى يُرْضِعْنَ حَوْلَيْنِ فَعَلَّقَ الْفِصَالَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ عَلَى تَرَاضِيهِمَا. وَقَدْ يُقَالُ: كَوْنُ الدَّلِيلِ دَلَّ عَلَى بَقَاءِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ الْمُحَرَّمِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ، فَأَيْنَ الدَّلِيلُ عَلَى انْتِهَائِهَا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَهُمَا بِحَيْثُ لَوْ أَرْضَعَ بَعْدَهَا لَا يَقَعُ التَّحْرِيمُ.

وَمَا ذُكِرَ فِي وَجْهِ زِيَادَتِهَا لَا يُفِيدُ سِوَى أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ الْفِطَامُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا لِيُعَوَّدَ فِيهَا غَيْرَ اللَّبَنِ قَلِيلًا قَلِيلًا لِتَعَذُّرِ نَقْلِهِ دَفْعَةً. فَأَمَّا أَنَّهُ يَجِبُ ذَلِكَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ وَيَكُونُ مِنْ تَمَامِ مُدَّةِ التَّحْرِيمِ شَرْعًا فَلَيْسَ بِلَازِمٍ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُحَرِّمْ إطْعَامَهُ غَيْرَ اللَّبَنِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ لِيَلْزَمَ زِيَادَةُ مُدَّةِ التَّعَوُّدِ عَلَيْهِمَا، فَجَازَ أَنْ يُعَوَّدَ مَعَ اللَّبَنِ غَيْرَهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ بِحَيْثُ تَكُونُ الْعَادَةُ قَدْ اسْتَقَرَّتْ مَعَ انْقِضَائِهِمَا فَيُفْطَمُ عِنْدَهُ عَنْ اللَّبَنِ بِمَرَّةٍ فَلَيْسَتْ الزِّيَادَةُ بِلَازِمَةٍ فِي الْعَادَةِ وَلَا فِي الشَّرْعِ، فَكَانَ الْأَصَحُّ قَوْلُهُمَا وَهُوَ مُخْتَارُ الطَّحَاوِيِّ، وَقَوْلُ زُفَرَ عَلَى هَذَا أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ﴾ الْمُرَادُ مِنْهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ مَوْضِعُ التَّرَدُّدِ فِي أَنَّهُ يَضُرُّ بِالْوَلَدِ أَوْ لَا فَيَتَشَاوَرَانِ لِيَظْهَرَ وَجْهُ الصَّوَابِ فِيهِ.

وَأَمَّا ثُبُوتُ الضَّرَرِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَقَلَّ أَنْ يَقَعَ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِطَامٌ بَلْ إنْ كَانَ فَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَتَمْنَعُهُ الْعُمُومَاتُ الْمَانِعَةُ مِنْ إدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الرَّضَاعِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالرَّضَاعِ تَحْرِيمٌ) فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ، حَتَّى لَوْ ارْتَضَعَ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالتَّحْرِيمِ أَبَدًا لِلْإِطْلَاقَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بِهِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ فَكَانَتْ إذَا أَرَادَتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ أَمَرَتْ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ أَوْ بَعْضَ بَنَاتِ أُخْتِهَا أَنْ تُرْضِعَهُ خَمْسًا، وَلِحَدِيثِ سَهْلَةَ الْمُتَقَدِّمِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا كَانَ ثُمَّ نُسِخَ بِآثَارٍ كَثِيرَةٍ عَنْ النَّبِيِّ وَالصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - تُفِيدُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهِ. فَمِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ فِي اسْتِدْلَالِهِمَا مِنْ قَوْلِهِ «لَا رَضَاعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>