وَإِذَا قَالَ: غَدًا كَانَ إضَافَةً وَالْمُضَافُ لَا يَتَنَجَّزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْإِضَافَةِ فَلَغَا اللَّفْظُ الثَّانِي فِي الْفَصْلَيْنِ.
وَكِلَاهُمَا مُغَيِّرٌ لِلتَّنْجِيزِ؟
فَظَهَرَ أَنَّهُ مُضَافٌ لَا أَنَّهُ طَلَاقٌ آخَرُ، وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَسْقُطُ الْجَوَابُ بِأَنَّ ذِكْرَ الشَّرْطِ يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَهُ الْيَوْمَ لِبَيَانِ وَقْتِ التَّعْلِيقِ لَا لِبَيَانِ وَقْتِ الْوُقُوعِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الشَّرْطِ فَيَبْقَى قَوْلُهُ الْيَوْمَ بَيَانًا لِوَقْتِ الْوُقُوعِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَا يَسْقُطُ الْجَوَابُ بِأَنَّ طَالِقٌ الْيَوْمَ إيقَاعٌ فِي الْحَالِ، وَإِذَا جَاءَ غَدٌ تَعْلِيقٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ أَحَدِهِمَا لِلتَّنَافِي وَاعْتِبَارُ الْمُعَلَّقِ أَوْلَى لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ إلْغَاءُ كَلِمَةِ وَاحِدَةٍ وَهِيَ لَفْظَةُ " الْيَوْمَ "، وَفِي اعْتِبَارِ الْمُنَجَّزِ إلْغَاءُ كَلِمَاتٍ وَهِيَ قَوْلُهُ إذَا جَاءَ غَدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْفَرْقُ فِي الْجَوَابَيْنِ بِأَنَّهُ لَمْ تُوقَفْ فَلَمْ يَكُنْ تَنْجِيزًا مَعَ اتِّصَالِ الْمُغَيِّرِ الشَّرْطِيِّ وَلَمَّا لَمْ يَتَوَقَّفْ فَكَانَ تَنْجِيزًا مَعَ اتِّصَالِ الْمُغَيِّرِ الْإِضَافِيِّ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يُجْعَلْ الثَّانِي نَاسِخًا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ النَّسْخَ فَرْعُ ثُبُوتِ الْأَوَّلِ وَتَقَرُّرِهِ، وَتَقَرُّرُ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ وَثُبُوتُ وُقُوعِهِ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَأْخِيرُهُ. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ طَالِقٌ غَدًا الْيَوْمَ فَلِأَنَّهُ وَقَعَ مُسْتَقِيمًا مُضَافًا وَبَعْدَمَا صَحَّ مُضَافًا إلَى غَدٍ لَا يَكُونُ بِعَيْنِهِ مُنَجَّزًا بَلْ لَوْ اُعْتُبِرَ كَانَ تَطْلِيقَةً أُخْرَى، وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِتَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهَا لَزِمَتْ إضَافَتُهَا إلَى الْغَدِ فَلَزِمَ إلْغَاءُ اللَّفْظِ الثَّانِي ضَرُورَةً، وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا يَكُونُ بِكَلَامٍ مُسْتَبِدٍّ فِي نَفْسِهِ مُتَرَاخٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا.
فَإِنْ قُلْت: فَمَا وُجُوهُ الْمَسْأَلَةِ إذَا وُسِّطَتْ الْوَاوُ؟ فَالْجَوَابُ إذَا قُدِّمَ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ الْوَقْتَيْنِ كَأَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ أَوْ الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ فِي لَيْلِك وَنَهَارِك وَهُوَ فِي اللَّيْلِ أَوْ قَلْبِهِ وَهُوَ فِي النَّهَارِ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْأُخْرَى لِأَنَّهَا بِطَلَاقِهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ تَكُونُ طَلَاقًا فِي آخِرِهِمَا، وَلَوْ نَوَى أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ وَاحِدَةٌ وَغَدًا وَاحِدَةٌ صَحَّ وَوَقَعَتْ ثِنْتَانِ، وَكَذَا طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ يَقَعُ وَاحِدَةٌ بِلَا نِيَّةٍ، فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقَعْنَ كَذَلِكَ.
وَإِنْ قَدَّمَ الْمُتَأَخِّرَ كَطَالِقٍ غَدًا وَالْيَوْمَ أَوْ فِي نَهَارِك وَلَيْلِك وَهُوَ فِي اللَّيْلِ أَوْ قَلْبِهِ وَهُوَ فِي النَّهَارِ فَعَنْ زُفَرَ كَذَلِكَ تَقَعُ وَاحِدَةٌ وَعِنْدَنَا يَقَعُ ثِنْتَانِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَقَعَ مُضَافًا صَحِيحًا وَالْوَاوَ فِي عَطْفِ الْمُفْرَدِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْجُمْلَةِ النَّاقِصَةِ يُوجِبُ تَقْدِيرَ مَا فِي الْأُولَى بِمَا بَعْدَهَا فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَأَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ، وَقَدْ نُقِلَ الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ فِيمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ؛ فَعِنْدَ زُفَرَ يَقَعُ ثَلَاثٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ مُوقَعٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ قُلْنَا اللَّازِمُ وَهُوَ كَوْنُهَا طَالِقًا فِي كُلِّ يَوْمٍ يَحْصُلُ بِإِيقَاعِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَطْ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى اعْتِبَارِهِ مُوقَعًا كُلَّ يَوْمٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ نَقْلَ هَذَا الْخِلَافِ مَعَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فِي طَالِقٍ غَدًا وَالْيَوْمَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ مُشْكِلٌ، لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ إمَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ إلَى آخِرِ الزَّمَانِ فَتَقَعَ وَاحِدَةٌ أَوْ قَلْبَهُ غَدًا وَمَا بَعْدَهُ وَالْيَوْمَ فَكَذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا لَمْ تَطْلُقْ إلَّا وَاحِدَةً، فَلَوْ نَوَى أَنْ يُطَلِّقَ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةً أُخْرَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْبَحْثِ أَوَّلَ كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ.
وَحَاصِلُ مَا يَقَعُ بِهِ جَوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ صِحَّةَ نِيَّةِ الثَّلَاثِ إمَّا بِاعْتِبَارِ إضْمَارِ التَّطْلِيقِ كَأَنَّهُ قَالَ: طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةً أَوْ بِإِضْمَارِ فِي كَأَنَّهُ قَالَ: فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَلَوْ قَالَ: فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدَةً وَهُوَ مَا قَاسَ عَلَيْهِ زُفَرُ. وَفَرَّقُوا بِأَنَّ " فِي " لِلظَّرْفِ وَالزَّمَانُ إنَّمَا هُوَ ظَرْفٌ مِنْ حَيْثُ الْوُقُوعِ فَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ كُلِّ يَوْمٍ فِيهِ وُقُوعُ تَعَدُّدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute