للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّشْبِيهَ يَقْتَضِي زِيَادَةَ وَصْفٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ ذَكَرَ الْعِظَمَ يَكُونُ بَائِنًا وَإِلَّا فَلَا أَيَّ شَيْءٍ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ قَدْ يَكُونُ فِي التَّوْحِيدِ عَلَى التَّجْرِيدِ. أَمَّا ذِكْرُ الْعِظَمِ فَلِلزِّيَادَةِ لَا مَحَالَةَ. وَعِنْدَ زُفَرَ إنْ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ مِمَّا يُوصَفُ بِالْعِظَمِ عِنْدَ النَّاسِ يَقَعُ بَائِنًا وَإِلَّا فَهُوَ رَجْعِيٌّ. وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. وَبَيَانُهُ فِي قَوْلِهِ مِثْلُ رَأْسِ الْإِبْرَةِ مِثْلُ عِظَمِ رَأْسِ الْإِبْرَةِ وَمِثْلُ الْجَبَلِ مِثْلُ عِظَمِ الْجَبَلِ

(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ عَرِيضَةً أَوْ طَوِيلَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ) لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَائِنُ، وَمَا يَصْعُبُ تَدَارُكُهُ يُقَالُ: لِهَذَا الْأَمْرِ طُولٌ وَعَرْضٌ.

عَلَيْكِ أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ وَإِنْ كَانَ يُوصَفُ بِهِ، فَإِمَّا أَنْ لَا يُنْبِئَ عَنْ زِيَادَةٍ فِي أَثَرِهِ كَقَوْلِهِ: أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَسَنَّهُ أَجْمَلَهُ أَعْدَلَهُ خَيْرَهُ أَكْمَلَهُ أَتَمَّهُ أَفْضَلَهُ فَيَقَعُ بِهِ رَجْعِيًّا وَتَكُونُ طَالِقًا لِلسُّنَّةِ فِي وَقْتِ السُّنَّةِ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ لِلسُّنَّةِ. وَفِي مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً حَسَنَةً أَوْ جَمِيلَةً كَانَتْ طَالِقًا وَيَمْلِكُ رَجْعَتَهَا حَائِضًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَائِضٍ وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ التَّطْلِيقَةُ لِلسُّنَّةِ. قَالَ: وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا طَالِقٌ تَطْلِيقَةً لِلسُّنَّةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ يُنْبِئُ كَأَشَدِّهِ وَأَطْوَلِهِ يَقَعُ بِهِ بَائِنًا، وَأَمَّا تَشْبِيهُهُ فَكَلِمَتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ بَائِنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ كَرَأْسِ إبْرَةٍ وَكَحَبَّةِ خَرْدَلٍ أَوْ كَسِمْسِمَةٍ لِاقْتِضَاءِ التَّشْبِيهِ الزِّيَادَةَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ ذَكَرَ الْعِظَمَ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَرَجْعِيٌّ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ وَلَوْ كَانَ عَظِيمًا لِأَنَّ التَّشْبِيهَ قَدْ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ التَّوْحِيدُ وَالتَّجْرِيدُ وَالْعِظَمُ لِلزِّيَادَةِ لَا مَحَالَةَ. وَعِنْدَ زُفَرَ إنْ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ مِمَّا يُوصَفُ بِالْعِظَمِ عِنْدَ النَّاسِ فَبَائِنٌ وَإِلَّا فَرَجْعِيٌّ ذَكَرَ الْعِظَمَ أَوْ لَا. وَبَيَانُ الْأُصُولِ فِي مِثْلِ رَأْسَ إبْرَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَائِنٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَجْعِيٌّ إلَّا أَنْ يَقُولَ كَعِظَمِ رَأْسِ إبْرَةٍ فَحِينَئِذٍ هُوَ بَائِنٌ وَعِنْدَ زُفَرَ رَجْعِيَّةٌ. وَفِي كَالْجَبَلِ بَائِنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ، رَجْعِيٌّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَقُولَ كَعِظَمِ الْجَبَلِ، وَلَوْ قَالَ مِثْلَ عِظَمِهِ فَهُوَ بَائِنٌ عِنْدَ الْكُلِّ.

وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ قِيلَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ، هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ. أَمَّا لَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا بَائِنٌ، وَالْبَيْنُونَةُ تَتَنَوَّعُ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ كَالثَّلْجِ بَائِنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا إنْ أَرَادَ بِهِ بَيَاضَهُ فَرَجْعِيٌّ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ بَرْدَهُ فَبَائِنٌ اهـ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يَقْصُرُ الْبَيْنُونَةَ فِي التَّشْبِيهِ عَلَى ذِكْرٍ الْعِظَمِ بَلْ يَقَعُ بِدُونِهِ عِنْدَ قَصْدِ الزِّيَادَةِ، وَكَذَا يَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يَقَعَ بَائِنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَأَعْدَلِ الطَّلَاقِ وَكَأَسَنِّهِ وَكَأَحْسَنِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ عَرِيضَةً أَوْ طَوِيلَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَائِنُ، وَمَا يَصْعُبُ تَدَارُكُهُ يُقَالُ فِيهِ لِهَذَا الْأَمْرِ طُولٌ وَعَرْضٌ) فَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>