للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مُطْلَقٌ لَا مُجْمَلٌ، وَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إلَى كَمِّيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ أَجْمَلَ فِيهَا، بَلْ إلَى الْإِطْلَاقِ لِيَسْقُطَ بِأَدْنَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَسْحُ الرَّأْسِ عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ مَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ لَا يَقْتَضِي اسْتِيعَابَ النَّاصِيَةِ لِجَوَازِ كَوْنِ ذِكْرِهَا لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْفَوْدِ أَوْ الْقَذَالِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى مَطْلُوبِكُمْ، وَلَوْ نَظَرْنَا إلَيْهِ عَلَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ الْمُغِيرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ» كَانَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فِي الْبَاءِ كَالْآيَةِ أَنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ أَوْ لَا، وَلَوْ قُلْنَا إنَّهَا لِلْإِلْصَاقِ لَزِمَ التَّبْعِيضُ بِصَرِيحِ تَقْرِيرِكُمْ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ لِدُخُولِهَا عَلَى الْمَحَلِّ كَمَا سَنَذْكُرُ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُسْتَدَلَّ بِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَنَسٍ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قِطْرِيَّةٌ، فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ» وَسَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد فَهُوَ حُجَّةٌ، وَظَاهِرُهُ اسْتِيعَابُ تَمَامِ الْمُقَدَّمِ، وَتَمَامُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ هُوَ الرُّبْعُ الْمُسَمَّى بِالنَّاصِيَةِ.

وَقِطْرِيَّةٌ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ: ثِيَابٌ حُمْرٌ لَهَا أَعْلَامٌ مَنْسُوبَةٌ إلَى قَطَرَ مَوْضِعٌ بَيْنَ عُمَانَ وَسَيْفِ الْبَحْرِ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: ضَرْبٌ مِنْ الْبُرُودِ فِيهِ حُمْرَةٌ وَلَهَا أَعْلَامٌ فِيهَا بَعْضُ الْخُشُونَةِ، وَمِثْلُهُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَطَاءٍ «أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَحَسَرَ الْعِمَامَةَ وَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ، أَوْ قَالَ نَاصِيَتَهُ» فَإِنَّهُ حُجَّةٌ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا عِنْدَنَا كَيْفَ وَقَدْ اُعْتُضِدَ بِالْمُتَّصِلِ.

بَقِيَ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ ثُبُوتَ الْفِعْلِ كَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ جَوَازِ الْأَقَلِّ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ضَمِّ الْمُلَازَمَةِ الْقَائِلَةِ لَوْ جَازَ الْأَقَلُّ لِفِعْلِهِ مَرَّةً تَعْلِيمًا لَجَازَ وَتُسَلَّمُ، وَقَدْ تُمْنَعُ بِأَنَّ الْجَوَازَ إذَا كَانَ مُسْتَفَادًا مِنْ غَيْرِ الْفِعْلِ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ فِيهِ، وَهُنَا كَذَلِكَ نَظَرًا إلَى الْآيَةِ فَإِنَّ الْبَاءَ فِيهَا لِلتَّبْعِيضِ.

وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ نَفْيَ جَوَازِ الْأَقَلِّ فَيَرْجِعُ الْبَحْثُ إلَى دَلَالَةِ الْآيَةِ، وَنَقُولُ فِيهِ إنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ، وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ لَهَا، بِخِلَافِ التَّبْعِيضِ فَإِنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ يَنْفُونَ كَوْنَهُ مَعْنًى مُسْتَقِلًّا لِلْبَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَ فِي ضِمْنِ الْإِلْصَاقِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ إلْصَاقَ الْآلَةِ بِالرَّأْسِ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوبُ لَا يَسْتَوْعِبُ الرَّأْسَ، فَإِذَا أَلْصَقَ فَلَمْ يَسْتَوْعِبْ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِذَلِكَ الْبَعْضِ لَا لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفَادُ بِالْبَاءِ.

وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِيمَا كَتَبْنَاهُ عَلَى الْبَدِيعِ فِي الْأُصُولِ، وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ الرُّبُعُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ إنَّمَا تَسْتَوْعِبُ قَدْرَهُ غَالِبًا فَلَزِمَ.

وَأَمَّا رِوَايَةُ جَوَازِ قَدْرِ الثَّلَاثِ الْأَصَابِعِ، وَإِنْ صَحَّحَهَا بَعْضُ الْمَشَايِخِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ إلْصَاقُ الْيَدِ وَالْأَصَابِعِ أَصْلُهَا؛ وَلِهَذَا يَلْزَمُ كَمَالُ دِيَةِ الْيَدِ بِقَطْعِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>