وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَهُوَ الْأَدْنَى فَحُمِلَ عَلَيْهِ.
وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ يُصَدَّقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الرَّدِّ وَالسَّبِّ، إلَّا فِيمَا يَصْلُحُ لِلطَّلَاقِ وَلَا يَصْلُحُ لِلرَّدِّ وَالشَّتْمِ كَقَوْلِهِ: اعْتَدِّي وَاخْتَارِي وَأَمْرُك بِيَدِك فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِيهَا لِأَنَّ الْغَضَبَ يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ: لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك وَخَلَّيْتُ سَبِيلَك وَفَارَقْتُك، أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ لِمَا فِيهَا مِنْ احْتِمَالِ مَعْنَى السَّبِّ.
فِي حَالَةِ الرِّضَا الْمُجَرَّدِ عَنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ يُصَدَّقُ فِي الْكُلِّ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ، وَفِي حَالَةِ الرِّضَا الْمَسْئُولِ فِيهَا طَلَاقٌ يُصَدَّقُ فِيمَا يَصْلُحُ رَدًّا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ، وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ الْمُجَرَّدِ عَنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ يُصَدَّقُ فِيمَا يَصْلُحُ سَبًّا أَوْ رَدًّا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ إلَّا السَّبَّ أَوْ الرَّدَّ، وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَصْلُحُ جَوَابًا فَقَطْ، وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ الْمَسْئُولِ فِيهَا الطَّلَاقُ يَجْتَمِعُ فِي عَدَمِ تَصْدِيقِهِ فِي الْمُتَمَحِّضِ جَوَابًا سَبَبَانِ: الْمُذَاكَرَةُ وَالْغَضَبُ، وَكَذَا فِي قَبُولِ قَوْلِهِ فِيمَا يَصْلُحُ رَدًّا لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُذَاكَرَةِ وَالْغَضَبِ يَسْتَقِلُّ بِإِثْبَاتِ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي دَعْوَى عَدَمِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ.
وَفِيمَا يَصْلُحُ لِلسَّبَبِ يَنْفَرِدُ الْغَضَبُ بِإِثْبَاتِهِ فَلَا تَتَغَيَّرُ الْأَحْكَامُ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْلَى أَنْ تُعْرَفَ الْحَالُ الْمُطْلَقَةُ بِالْمُطْلَقَةِ عَنْ قَيْدِ الْغَضَبِ وَالْمُذَاكَرَةِ (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) أَلْحَقَ أَبُو يُوسُفَ بِاَلَّتِي تَحْتَمِلُ السَّبَّ أَلْفَاظًا أُخْرَى وَهِيَ: لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك خَلَّيْت سَبِيلَك فَارَقْتُك، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَلْفَاظِ ذَكَرَهَا الْوَلْوَالِجِيُّ، وَذَكَرَهَا الْعَتَّابِيُّ خَمْسَةً: لَا سَبِيلَ لَا مِلْكَ خَلَّيْت سَبِيلَك الْحَقِي بِأَهْلِك حَبْلُك عَلَى غَارِبِك.
وَفِي الْإِيضَاحِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ ذَكَرَ خَمْسَةً هِيَ هَذِهِ، إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ مَكَانَ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك فَارَقْتُك فَتَتِمُّ سِتَّةَ أَلْفَاظٍ.
وَوَجْهُ احْتِمَالِهَا السِّتَّ أَنْ لَا مِلْكَ لِي: يَعْنِي أَنْتِ أَقَلُّ مِنْ أَنْ تُنْسَبِي إلَيَّ بِالْمِلْكِ وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لِزِيَادَةِ شَرِّك وَخَلَّيْت سَبِيلَك وَفَارَقْتُك وَالْحَقِي بِأَهْلِك وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك: أَيْ أَنْتِ مُسِيئَةٌ لَا يَشْتَغِلُ أَحَدٌ بِتَأْدِيبِك إذْ لَا طَاقَةَ لِأَحَدٍ بِمُمَارَسَتِك. وَفِي رِوَايَةِ جَامِعِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَلْحَقهَا بِالثَّلَاثِ الَّتِي لَا يَدِينُ فِيهَا فِي الْغَضَبِ كَمَا لَا يَدِينُ فِي الْمُذَاكَرَةِ، وَهِيَ اعْتَدِّي اخْتَارِي أَمْرُك بِيَدِك.
وَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك تَقَنَّعِي اسْتَتِرِي اُخْرُجِي اذْهَبِي قُومِي تَزَوَّجِي لَا نِكَاحَ لِي عَلَيْك يَدِينُ فِي الْغَضَبِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُذْكَرُ لِلْإِبْعَادِ، وَحَالَةُ الْغَضَبِ يَبْعُدُ الْإِنْسَانُ عَنْ الزَّوْجَةِ فِيهِ، وَكَذَا فِي حَالِ ذِكْرِ الطَّلَاقِ، وَهَذَا لِأَنَّ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك يَحْتَمِلُ عَلَيَّ طَلَاقُك وَهُوَ يُذْكَرُ لِلِامْتِنَاعِ عَنْ الطَّلَاقِ وَانْطَلِقِي وَانْتَقِلِي كَالْحَقِي وَلَا رِوَايَةَ فِي أَعَرْتُك طَلَاقَك ظَاهِرَةٌ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَفِي النَّوَازِلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ الطَّلَاقُ فِي يَدِهَا لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا مَنَافِعَ الطَّلَاقِ وَمَنْفَعَةُ الطَّلَاقِ التَّطْلِيقُ إنْ شَاءَتْ كَمَا كَانَ لِلزَّوْجِ، وَلَوْ قَالَ: طَلَاقُك عَلَيَّ لَا يَقَعُ أَصْلًا، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك لِأَبِيك أَوْ لِابْنِك أَوْ لِلْأَزْوَاجِ فَهُوَ طَلَاقٌ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُرَدُّ عَلَى هَؤُلَاءِ بِالطَّلَاقِ عَادَةً، وَلَوْ قَالَ: لِأُخْتِك أَوْ خَالَتِك أَوْ عَمَّتِك أَوْ لِفُلَانٍ الْأَجْنَبِيِّ وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا وَإِنْ نَوَى لِأَنَّهَا لَا تُرَدُّ بِالطَّلَاقِ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ زَادَ عَلَى اذْهَبِي فَقَالَ: اذْهَبِي فَبِيعِي ثَوْبَك لَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute