للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ وُقُوعُ الْبَائِنِ بِمَا سِوَى الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مَذْهَبُنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ بِهَا رَجْعِيٌّ لِأَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا طَلَاقٌ،

جُحُودٌ لَا يَحْتَمِلُ الْإِنْشَاءَ إذْ الطَّلَاقُ لَا يُتَصَوَّرُ بِلَا نِكَاحٍ، وَكَذَا بِدَلَالَةِ السُّؤَالِ عُرِفَ أَنَّهُ أَرَادَ النَّفْيَ فِي الْمَاضِي. وَفِي فَتَاوَى صَاحِبِ النَّاقِعِ: إذَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا لَسْت لِي بِزَوْجٍ فَقَالَ صَدَقْت يَنْوِي طَلَاقَهَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ: لَسْت أَوْ مَا أَنْتِ امْرَأَتِي أَوْ لَسْت أَوْ مَا أَنَا زَوْجُك عِنْدَهُ يَقَعُ بِالنِّيَّةِ وَأَلْغَيَاهُ، وَيَتَّصِلُ بِالْكِنَايَاتِ الطَّلَاقُ بِالْكِتَابَةِ لَوْ كَتَبَ طَلَاقًا أَوْ عَتَاقًا عَلَى مَا لَا يَسْتَبِينُ فِيهِ الْخَطُّ كَالْهَوَاءِ وَالْمَاءِ وَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ لَا يَقَعُ نَوَى بِهِ أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَكَذَا إذَا كَتَبَ عَلَى لَوْحٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ فِي كِتَابٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَبِينُ لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْكِتَابَةِ كَصَوْتٍ لَا يَسْتَبِينُ مِنْهُ حُرُوفٌ، فَلَوْ وَقَعَ وَقَعَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَبِينًا لَكِنْ لَا عَلَى رَسْمِ الرِّسَالَةِ وَالْخِطَابِ فَإِنَّهُ يَنْوِي فِيهِ، كَالْكَلَامِ الْمُكَنَّى لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكْتُبُ مِثْلَهُ لِلْإِيقَاعِ وَقَدْ يَكْتُبُ مِثْلَهُ لِتَجْرِبَةِ الْخَطِّ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا يُبَيِّنُ نِيَّتَهُ بِلِسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ يُبَيِّنُ نِيَّتَهُ بِكِتَابَتِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ خِطَابًا أَوْ رِسَالَةً، فَإِنْ كَانَ عَلَى رَسْمِ كَتْبِ الرِّسَالَةِ بِأَنْ كَتَبَ أَمَّا بَعْدُ يَا فُلَانَةُ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ حُرٌّ أَوْ إذَا وَصَلَ إلَيْك كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي عَدَمِ النِّيَّةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ: نَوَيْت مِنْ وَثَاقٍ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، ثُمَّ يَقَعُ عَقِيبَ الْكِتَابَةِ إذَا لَمْ يُعَلِّقْهُ مِثْلُ أَنْ يَكْتُبَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَوْ فُلَانَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَتَبَ إذَا وَصَلَ إلَيْك فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِدُونِ الْوُصُولِ إلَيْهَا، وَقَالُوا فِيمَنْ كَتَبَ كِتَابًا عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ وَفِيهِ إذَا وَصَلَ إلَيْك كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَمَحَا ذِكْرَ الطَّلَاقِ مِنْهُ.

وَأَنْفَذَهُ وَأَسْطُرُهُ بَاقِيَةٌ وَقَعَ إذَا وَصَلَ، وَلَوْ مَحَاهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ كَلَامٌ يَكُونُ رِسَالَةً لَمْ يَقَعُ، وَإِنْ وَصَلَ لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ وُصُولُ الْكِتَابِ وَعَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَمَا وَقَعَ فِي تَفْصِيلِ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّهُ إذَا مَحَا مَا سِوَى كِتَابَةِ الطَّلَاقِ وَأَنْفَذَهُ فَوَصَلَ إلَيْهَا لَا يَقَعُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الرِّسَالَةَ الْمُتَضَمِّنَةَ لِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ لَا تَكُونُ كِتَابًا، وَفِيهِ نَظَرٌ.

وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَحَا أَكْثَرَ مَا قَبْلَهُ فَأَرْسَلَهُ لَا يَقَعُ أَبْعَدُ مِنْ الْأَوَّلِ إذْ مُقْتَضَاهُ انْتِفَاءُ الْكِتَابِ بِانْتِفَاءِ ذِكْرِ كَثْرَةِ الْحَوَائِجِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. .

وَلَوْ كَتَبَ الصَّحِيحَ إلَى امْرَأَتِهِ بِطَلَاقِهَا ثُمَّ أَنْكَرَ الْكِتَابَ وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَتَبَهُ بِيَدِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَضَاءِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهَا: أَمَّا بَعْدُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، إنْ كَانَ مَوْصُولًا بِكِتَابَتِهِ لَا تَطْلُقُ، وَإِنْ كَتَبَ الطَّلَاقَ ثُمَّ فَتَرَ فَتْرَةً ثُمَّ كَتَبَ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ إلَى الْغَائِبِ كَالْمَلْفُوظِ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى لِلْخَاصِّيِّ وَالْخُلَاصَةِ.

وَفِيهَا مَعْزُوًّا إلَى الْمُنْتَقَى: إذَا كَتَبَ كِتَابَ الطَّلَاقِ ثُمَّ نَسَخَهُ فِي كِتَابٍ آخَرَ أَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ حِينَ كَتَبَ وَلَمْ يُمِلَّ هُوَ فَأَتَاهَا الْكِتَابَانِ طَلُقَتْ تَطْلِيقَتَيْنِ قَضَاءً، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى تَقَعُ وَاحِدَةٌ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا لَوْ وَصَلَ أَحَدُهُمَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا بِوُصُولِ الْكِتَابِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ قَضَاءً لَا دِيَانَةً إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ طَلَاقًا آخَرَ، وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ نَحْوُهُ إنْ كَانَ يَكْتُبُ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْهُ بِأَنْ يَسْأَلَ بِكِتَابٍ فَيُجِيبُ بِكِتَابَةٍ بِالنِّيَّةِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَكْتُبُ وَلَهُ إشَارَةٌ مَعْلُومَةٌ يُعْرَفُ بِهَا طَلَاقُهُ وَنِكَاحُهُ وَبَيْعُهُ فَهِيَ كَالْكَلَامِ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ شَكَكْنَا فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ.

وَالْقِيَاسُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَحْكَامَ الْأَخْرَسِ فِي هَذِهِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ وُقُوعُ الْبَائِنِ بِمَا سِوَى الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مَذْهَبُنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ بِهَا رَجْعِيٌّ لِأَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا طَلَاقٌ) وَالطَّلَاقُ بِلَا مَالٍ يُعْقِبُ الرَّجْعَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>