. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ثَلَاثًا صَارَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀.
وَقَالَا: لَا تَكُونُ إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تَكُونُ ثَلَاثًا. وَلِمُحَمَّدٍ فِي الْأَوَّلِ أَنَّ جَعْلَهُ الْوَاحِدَةَ الرَّجْعِيَّةَ بَائِنَةً تَغْيِيرٌ لِلْمَشْرُوعِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ. قُلْنَا: يَمْلِكُ الْبَائِنَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَرِيبًا، لَكِنَّهُ لَمْ يَنُصَّ عَلَى وَصْفِ ابْتِدَاءٍ اكْتِفَاءً بِأَصْلِ الطَّلَاق فَكَانَ رَجْعِيًّا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ حُصُولِ الْبَيْنُونَةِ، فَإِذَا أَبَانَهَا الْتَحَقَتْ بِأَصْلِ الطَّلَاقِ كَمَا لَوْ فَعَلَهَا ابْتِدَاءً كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ لَمَّا مَلَكَ الْبَيْعَ النَّافِذَ كَانَ مَالِكًا لِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ وَمَلَكَ إلْحَاقَ وَصْفِهِ بِأَصْلِهِ كَتَنْفِيذِ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّرِيحَ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ وَالْبَائِنَ عِنْدَنَا، وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ لَا الْبَائِنَ إلَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا.
فَلَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ: أَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَلَوْ قَالَ: بَائِنٌ لَمْ يَقَعْ اتِّفَاقًا، وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ بَائِنٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ ثُمَّ أَبَانَهَا فَدَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقٌ آخَرُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ.
أَمَّا كَوْنُ الصَّرِيحِ يَلْحَقُ الْبَائِنَ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ يَعْنِي الْخُلْعَ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ فَهُوَ نَصٌّ عَلَى وُقُوعِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الْخُلْعِ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْهُ ﷺ «الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ» وَهُنَا الْقَيْدُ الْحُكْمِيُّ بَاقٍ لِبَقَاءِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا فَاتَ الِاسْتِمْتَاعُ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَحَلِّ كَالْحَيْضِ، وَلِهَذَا لَحِقَ الْبَائِنُ الصَّرِيحَ بَلْ أَوْلَى لِبَقَاءِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَأَمَّا عَدَمُ لُحُوقِ الْبَائِنِ فَلِإِمْكَانِ جَعْلِهِ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ صَادِقٌ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ إنْشَاءً لِأَنَّهُ اقْتِضَاءٌ ضَرُورِيٌّ، حَتَّى لَوْ قَالَ: عَنَيْت بِهِ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ وَتَثْبُتَ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً فِي الْمَحَلِّ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ فَتُجْعَلُ إنْشَاءً ضَرُورَةً، وَلِهَذَا وَقَعَ الْبَائِنُ الْمُعَلَّقُ قَبْلَ تَنْجِيزِ الْبَيْنُونَةِ كَمَا مَثَّلْنَاهُ لِأَنَّهُ صَحَّ تَعْلِيقُهُ وَلَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهُ خَبَرًا حِينَ صَدَرَ.
وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ مِثْلَهُ لَازِمٌ فِي أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَزِمَ أَنْ لَا يَلْحَقَ الصَّرِيحَ.
أُجِيبُ بِأَنَّهُ لَا احْتِمَالَ فِيهِ لِأَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ مُتَعَيِّنٌ لِلْإِنْشَاءِ شَرْعًا. وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت بِهِ الْإِخْبَارَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً. وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يَذْكُرْ أَنْتِ بَائِنٌ ثَانِيًا لِيُجْعَلَ خَبَرًا بَلْ الَّذِي وَقَعَ أَثَرُ التَّعْلِيقِ السَّابِقِ وَهُوَ زَوَالُ الْقَيْدِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ مَحَلٌّ فَيَقَعُ وَيَقَعُ الْمُعَلَّقُ بَعْدَ الْمُعَلَّقِ، وَقَدْ عُرِفَ مِنْ اسْتِدْلَالِهِمْ الَّذِي أَطْبَقُوا عَلَيْهِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْبَائِنِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ مَا هُوَ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَيْسَ ظَاهِرًا فِي إنْشَاءِ الطَّلَاقِ، وَبِهِ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّرِيحِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ بَائِنٌ، وَلِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ مُقَابِلَ الصَّرِيحِ، وَلَا يُقَابِلُهُ الْبَائِنُ إلَّا إذَا كَانَ كِنَايَةً لِأَنَّ الصَّرِيحَ أَعَمُّ مِنْ الْبَائِنِ لِأَنَّهُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ بَائِنًا كَانَ الْوَاقِعُ بِهِ أَوْ رَجْعِيًّا، وَالْكِنَايَةُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهَا فِي غَيْرِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ اعْتَدِّي اسْتَبْرِئِي رَحِمَك أَنْتِ وَاحِدَةٌ إلَّا بَائِنٌ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ نَقْلًا مِنْ الزِّيَادَاتِ: الَّذِي يَلْحَقُ الْبَائِنَ لَا يَكُونُ رَجْعِيًّا، وَالصَّرِيحُ يَلْحَقُ الْبَائِنَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجْعِيًّا. وَقَوْلُهُ: الَّذِي يَلْحَقُ الْبَائِنَ لَا يَكُونُ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ السَّابِقَةَ تَمْنَعُ الرَّجْعَةَ الَّتِي هِيَ حُكْمُ الصَّرِيحِ غَيْرِ الْمُقَيَّدِ بِإِبَانَةٍ. مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَبَانَهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ يَلْغُو بَائِنٌ هُوَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ تَصَوُّرِ الرَّجْعَةِ فَكَانَ ذِكْرُهُ وَتَرْكُهُ سَوَاءً، وَمَا زَادَ فِي تَعْلِيلِ الْإِلْغَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحَاوِي مِنْ قَوْلِهِ: يَلْغُو تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ لَا مَعْنَى لَهُ، وَعَلَى مُجَرَّدِ الْإِلْغَاءِ اقْتَصَرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَمَحَلُّهُ مَا ذَكَرْنَا.
وَعَلَى هَذَا فَمَا وَقَعَ فِي حَلَبَ مِنْ الْخِلَافِ فِي وَاقِعَةٍ، وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا أَبَانَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي الْعِدَّةِ الْحَقُّ فِيهِ أَنَّهُ يَلْحَقُهَا لِمَا سَمِعْت مِنْ أَنَّ الصَّرِيحَ وَإِنْ كَانَ بَائِنًا يَلْحَقُ الْبَائِنَ، وَمِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَائِنِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ هُوَ مَا كَانَ كِنَايَةً عَلَى مَا يُوجِبُهُ الْوَجْهُ.
وَفِي الْحَقَائِقِ: لَوْ قَالَ