حَتَّى لَوْ قَالَ: شِئْت طَلَاقَك يَقَعُ إذَا نَوَى لِأَنَّهُ إيقَاعٌ مُبْتَدَأٌ إذْ الْمَشِيئَةُ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَرَدْت طَلَاقَك لِأَنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ.
الَّذِي لَيْسَ بِصَالِحٍ لِلْإِيقَاعِ بِهِ نَحْوُ اسْقِنِي.
(حَتَّى لَوْ قَالَ: شِئْت طَلَاقَك يَنْوِيهِ وَقَعَ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ) لِأَنَّهَا مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ (بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَرَدْت طَلَاقَك لِأَنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ) بَلْ هِيَ طَلَبٌ لِنَفْسِ الْوُجُودِ عَنْ مَيْلٍ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ وَالْإِرَادَةَ فِي صِفَةِ الْعِبَادِ مُخْتَلِفَانِ، وَفِي صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى مُتَرَادِفَانِ كَمَا هُوَ اللُّغَةُ فِيهِمَا مُطْلَقًا فَلَا يَدْخُلُهُمَا وُجُودٌ: أَيْ لَا يَكُونُ الْوُجُودُ جُزْءَ مَفْهُومِ أَحَدِهِمَا غَيْرَ أَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَكَذَا مَا أَرَادَهُ، لِأَنَّ تَخَلُّفَ الْمُرَادِ إنَّمَا يَكُونُ لِعَجْزِ الْمُرِيدِ لَا لِذَاتِ الْإِرَادَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ الْمُؤَثِّرَةَ لِلْوُجُودِ لِأَنَّ ذَلِكَ خَاصِّيَّةُ الْقُدْرَةِ، بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهَا الْمُخَصِّصَةُ لِلْمَقْدُورِ الْمَعْلُومِ وُجُودُهُ بِالْوَقْتِ وَالْكَيْفِيَّةِ، ثُمَّ الْقُدْرَةُ تُؤَثِّرُ عَلَى وَفْقِ الْإِرَادَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ شَيْءٌ عَنْ مُرَادِهِ تَعَالَى لِمَا قُلْنَا فِي الْمَشِيئَةِ بِخِلَافِ الْعِبَادِ، وَعَنْ هَذَا لَوْ قَالَ أَرَادَ اللَّهُ طَلَاقَك يَنْوِيهِ يَقَعُ كَمَا لَوْ قَالَ شَاءَ اللَّهُ، بِخِلَافِ أَحَبَّ اللَّهُ طَلَاقَك أَوْ رَضِيَهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُمَا لَا يَسْتَلْزِمَانِ مِنْهُ تَعَالَى الْوُجُودَ.
وَلَوْ قِيلَ: التَّخْصِيصُ بِالْوَقْتِ الْإِرَادَةُ يَكُونُ عَنْ طَلَبِهِ وَيَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ صِفَةِ الْإِرَادَةِ وَالْكَلَامِ. نَعَمْ فَرَّقَ بَيْنَ الطَّلَبَيْنِ أَنَّهُ فِي الْكَلَامِ طَلَبٌ تَكْلِيفِيٌّ وَهَذَا بِخِلَافِهِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ يَلْزَمُ كَوْنُ الطَّلَبِ الْكَلَامِيِّ تَكْلِيفًا دَائِمًا كَمَا فِي الطَّلَبِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِكُنْ.
وَلَوْ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ الطَّلَبَ خَارِجٌ عَنْهَا لَزِمَ كَوْنُهَا مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ، وَإِذْ قَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِرَادَتَيْنِ لَا يَكُونُ فَرْقُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ رِوَايَةً عَنْهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي صِفَةِ اللَّهِ ﷾. بَقِيَ الشَّأْنُ فِي كَوْنِ الْمَشِيئَةِ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ لِلِاشْتِقَاقِ مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الشَّيْءَ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ الْأَعْيَانِ إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ فِي مَفْهُومِهِ الْوُجُودَ اصْطِلَاحٌ طَارِئٌ عَلَى اللُّغَةِ، فَإِنَّهُ لُغَةً يُقَالُ لِلْمَعْدُومِ وَالْمَوْجُودِ، وَكَوْنُ الْإِرَادَةِ نُسِبَتْ إلَى مَا لَا يَعْقِلُ بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ، كَمَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَا أَثَرَ لَهُ إلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute