أَوْ فِي الْعُقْبَى وَلَا رِضًا مَعَ الِاضْطِرَارِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ، فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ﵀، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الزَّوْجِ صُنْعٌ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَرِثُ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَلْجَأَهَا إلَى الْمُبَاشَرَةِ فَيَنْتَقِل الْفِعْلُ إلَيْهِ كَأَنَّهَا آلَةٌ لَهُ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ.
قَالَ (وَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَرِثْ) وَقَالَ زُفَرُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: تَرِثُ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْفِرَارَ حِينَ أَوْقَعَ فِي الْمَرَضِ وَقَدْ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْمَرَضُ إذَا تَعَقَّبَهُ بُرْءٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ يَنْعَدِمُ بِهِ مَرَضُ الْمَوْتِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ فَلَا يَصِيرُ الزَّوْجُ فَارًّا. وَلَوْ طَلَّقَهَا فَارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ مِنْ مَرَضِهِ وَهِيَ
بِالشَّرْطِ، وَلَمْ يَجْعَل ذَلِكَ رِضًا بِالْمَشْرُوطِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إلَى فِعْلِ الشَّرْطِ لَكِنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قَالَ إنْ لَمْ أَضْرِبْ هَذَا الْعَبْدَ الْيَوْمَ فَهُوَ حُرٌّ فَقَالَ لَهُ شَرِيكُهُ إنْ ضَرَبْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ فَلِلضَّارِبِ تَضْمِينُ الْحَالِفِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى فِعْلِ الشَّرْطِ، وَفِعْلُ الشَّرْطِ مُضْطَرًّا لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا.
وَأَجَابَ فِي الْكَافِي بِأَنَّ حُكْمَ الْفِرَارِ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِشُبْهَةِ الْعُدْوَانِ فَيَبْطُلُ بِمَا لَهُ شُبْهَةُ الرِّضَا، وَلَا كَذَلِكَ الضَّمَانُ، وَقَدْ وُجِدَ هُنَا شُبْهَةُ رِضَا الْمَرْأَةِ فَكَفَى لِنَفْيِ حُكْمِ الْفِرَارِ (وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ كَأَكْلِ الطَّعَامِ وَالصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ وَكَلَامِ الْأَبَوَيْنِ) وَمِنْهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَاسْتِيفَاؤُهُ وَالْقِيَامُ وَالْقُعُودُ وَالتَّنَفُّسُ فَلَهَا الْمِيرَاثُ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِي الْمُبَاشَرَةِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ) بِأَنْ أَكْرَهَ إنْسَانًا عَلَى إتْلَافِ مَالٍ صَارَ الْمُكْرِهُ مُتْلِفًا حَتَّى يَضْمَنَ وَيَنْتَقِلَ الْفِعْلُ إلَيْهِ، فَكَذَا هُنَا، وَكَفِعْلِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الشَّاهِدَيْنِ حَتَّى يَضْمَنَانِ إذَا رَجَعَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَلْجَأً حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْضِ يَفْسُقُ.
وَفِي مَبْسُوطِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ: الصَّحِيحُ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ
(قَوْلُهُ فَلَا يَصِيرُ الزَّوْجُ فَارًّا) يَعْنِي الْفِرَارَ الْمُسْتَلْزِمَ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْخَاصِّ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ شَرْعًا بِالْإِبَانَةِ فِي حَالِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا وَلَا يَتَعَلَّقُ إلَّا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ خِلَافُهُ.
أَوْ نَقُولُ: هُوَ بِطَلَاقِهِ فَارٌّ لَكِنَّ الْفِرَارَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بِشَرْطِ ثُبُوتِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا فَانْتَفَى شَرْطُ عَمَلِ الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا) أَيْ بَائِنًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute