للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَعْنَاهُ الِاسْتِحْبَابُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ

(وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُحَرِّمُهُ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ زَائِلَةٌ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ وَهُوَ الطَّلَاقُ. وَلَنَا أَنَّهَا قَائِمَةٌ حَتَّى يَمْلِكَ مُرَاجَعَتَهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا لِأَنَّ حَقَّ الرَّجْعَةِ ثَبَتَ نَظَرًا لِلزَّوْجِ لِيُمْكِنَهُ التَّدَارُكُ عِنْدَ اعْتِرَاضِ النَّدَمِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ اسْتِبْدَادَهُ بِهِ، وَذَلِكَ يُؤْذِنُ بِكَوْنِهِ اسْتِدَامَةً لَا إنْشَاءً

كَمَا قُلْنَا، وَكَمَا لَا يَحِلُّ لَهَا السَّفَرُ لَا يَحِلُّ الْخُرُوجُ بِهَا إلَى مَا دُونَهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ مَنُوطَةً بِالسَّفَرِ بَلْ بِالْخُرُوجِ، وَكَمَا يُكْرَهُ السَّفَرُ بِهَا تُكْرَهُ الْخَلْوَةُ إذْ قَدْ يَنْظُرُ نَظَرًا يَصِيرُ بِهِ مُرَاجِعًا وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرَّجْعَةَ فَيُطَلِّقُهَا أُخْرَى فَيُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَذَلِكَ حَرَامٌ.

وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: إنَّمَا تُكْرَهُ الْخَلْوَةُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ غَشَيَانَهَا إذْ يَصِيرُ مُرَاجِعًا لَهَا بِغَيْرِ إشْهَادٍ وَهُوَ مَكْرُوهٍ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ إذَا أَمِنَ لَا يُكْرَهُ، وَأَنَّ كَرَاهَةَ الْخَلْوَةِ حِينَئِذٍ تَنْزِيهِيَّةٌ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إلَى التَّعْلِيلِ بِاحْتِمَالِ النَّظَرِ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ مُرَاجِعًا كَأَنَّهُ لِبُعْدِهِ جِدًّا حَيْثُ كَانَ إنَّمَا هُوَ النَّظَرُ إلَى دَاخِلِ الْفَرْجِ، وَقَلَّ أَنْ يَقَعَ مَعَ الْخَلْوَةِ، حَتَّى إنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ مَعَ زَوْجَتِهِ الَّتِي هِيَ فِي عِصْمَتِهِ سِنِينَ لَا يَقَعُ لَهُ هَذَا النَّظَرُ إلَّا إنْ تَعَمَّدْهُ قَصْدًا حَالَةَ الْجِمَاعِ، لَكِنَّ الْوَجْهَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ تَرَاخِيَ عَمَلِ الْمُبْطِلِ: يَعْنِي الطَّلَاقَ وَعَمَلَهُ قُطِعَ النِّكَاحُ لِحَاجَتِهِ: أَيْ لِحَاجَةِ الزَّوْجِ إلَى الْمُرَاجَعَةِ فَإِذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ: أَيْ الْعِدَّةُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الرَّجْعَةِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُبْطِلَ عَمِلَ الْإِبَانَةَ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ وَأَنَّ مُسَافَرَتَهُ بِهَا كَانَتْ بِأَجْنَبِيَّةٍ كَمَا يَقْتَضِي قَصْرَ كَرَاهَةِ الْمُسَافَرَةِ عَلَى تَقْدِيرِ مَا إذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ كَذَلِكَ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْخَلْوَةِ بِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الرَّجْعَةَ، وَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ رَاجَعَهَا ظَهَرَتْ حَاجَتُهُ، وَأَنَّ الْمُبْطِلَ لَمْ يَعْمَلْ أَصْلًا فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْخَلْوَةَ وَالْمُسَافَرَةَ لَمْ يَكُونَا بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ عَمَلَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ احْتِسَابُ الْأَقْرَاءِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مِنْ الْعِدَّةِ، فَلَوْ كَانَ الْمُبْطِلُ مُقْتَصِرًا عَلَى انْقِضَائِهَا لَمْ تُحْتَسَبْ وَاحْتِيجَ إلَى عِدَّةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ.

وَالْأَوْجَهُ تَحْرِيمُ السَّفَرِ مُطْلَقًا لِإِطْلَاقِ النَّصِّ فِي مَنْعِ السَّفَرِ بِهَا دُونَ الْخَلْوَةِ لِعَدَمِ النَّصِّ وَقُصُورِ الْمَعْنَى وَهُوَ لُزُومُ الْمُرَاجَعَةِ بِالنَّصِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلُزُومُ ظُهُورِ أَنَّ الْخَلْوَةَ بِأَجْنَبِيَّةٍ غَيْرُ ضَائِرٍ إذْ حَالَةُ تَحَقُّقِهَا كَانَتْ زَوْجَةً يُبَاحُ مَعَهَا شَرْعًا مَا يُبَاحُ مِنْ الزَّوْجَةِ

(قَوْلُهُ وَذَلِكَ) يَعْنِي اسْتِبْدَادَهُ بِهِ (يُؤْذِنُ بِكَوْنِهِ اسْتِدَامَةً لَا إنْشَاءً

<<  <  ج: ص:  >  >>