مَعْنَى قَوْلِهِ بِأَلْفٍ بِعِوَضِ أَلْفٍ يَجِبُ لِي عَلَيْك، وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى أَلْفٍ عَلَى شَرْطِ أَلْفٍ يَكُونُ لِي عَلَيْك، وَالْعِوَضُ لَا يَجِبُ بِدُونِ قَبُولِهِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ قَبْلَ وُجُودِهِ. وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ لِمَا قُلْنَا.
(وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ فَقَبِلَتْ، وَقَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ فَقَبِلَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَطَلُقَتْ الْمَرْأَةُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)
أَوْ خَلَعْتُك أَوْ بَارَأْتُك أَوْ طَلَّقْتُك بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ يَقَعُ عَلَى الْقَبُولِ فِي مَجْلِسِهَا وَهُوَ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَإِضَافَتُهُ، وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْبُلُوغِ إلَيْهَا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِقَبُولِهَا الْمَالِ، وَهُوَ مِنْ جِهَتِهَا مُبَادَلَةٌ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا وَإِضَافَتُهَا، وَيَصِحُّ رُجُوعُهَا قَبْلَ قَبُولِ الزَّوْجِ وَيَبْطُلُ بِقِيَامِهَا.
أَمَّا تَعْلِيقُهُ بِالْقَبُولِ فَلِأَنَّ الْبَاءَ لِلْمُعَاوَضَةِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ فِي الْمُعَاوَضَاتِ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِالْقَبُولِ، وَكَذَا عَلَى عِنْدَهُمَا فَلَا إشْكَالَ، وَعِنْدَهُ هِيَ لِلشَّرْطِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ فِعْلِهِ فَهُوَ إمَّا الْقَبُولُ أَوْ الْأَدَاءُ، وَيَتَعَيَّنُ الْقَبُولُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهُوَ قَصْدُ الْمُعَاوَضَةِ. فَإِنْ قُلْت: فَلِمَ لَمْ تُعْتَبَرْ جِهَةُ الْمُعَاوَضَةِ فِي قَوْلِهَا طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً عَلَى قَوْلِهِ وَكَانَ يَجِبُ ثُلُثُهَا.
فَالْجَوَابُ: صَلَاحِيَّةُ هَذَا الْقَدْرِ لِكَوْنِهِ قَرِينَةً مُعَيَّنَةً لِلشَّرْطِ أَنَّهُ الْقَبُولُ أَوْ الْأَدَاءُ بَعْدَ لُزُومِ إرَادَةِ أَحَدِهِمَا لَا يَسْتَلْزِمُ لُزُومَ جَعْلِهِ مُوجِبًا لِأَصْلِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ لُزُومُهُ، بَلْ قَالُوا مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا، وَهُوَ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا تَعَلَّقَ بِالْقَبُولِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي جَوَابِ الرِّوَايَةِ مِنْ كُتُبِ مُحَمَّدٍ، أَمَّا لَوْ قَالَ إذَا أَعْطَيْتنِي أَوْ إذَا جِئْتنِي بِأَلْفٍ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تُعْطِيَهُ لِلتَّصْرِيحِ بِجَعْلِ الْإِعْطَاءِ شَرْطًا بِخِلَافِهِ مَعَ عَلَى، حَتَّى إنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى الزَّوْجِ دَيْنٌ لَهَا وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ فِي مِثْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ (عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي) دُونَ إنْ أَعْطَيْتنِي إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ طَلَاقًا مُسْتَقْبَلًا بِأَلْفٍ لَهَا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُقَالُ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي مِنْك كَذَا، وَيُرَادُ قَبُولُهُ فِي الْعُرْفِ، قَالَ تَعَالَى ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ أَيْ حَتَّى يَقْبَلُوا، لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ بِقَبُولِهَا يَنْتَهِي الْحَرْبُ مَعَهُمْ، هَذَا ثُمَّ فِي قَوْلِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي يَشْتَرِطُ الْإِعْطَاءُ فِي الْمَجْلِسِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَفِي قَوْلِهِ إذَا أَوْ مَتَى أَعْطَيْتنِي لَا حَاجَةَ إلَى الْإِعْطَاءِ فِي الْمَجْلِسِ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ مُلَاحَظٌ وَإِنْ ذُكِرَ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ، وَسَنَذْكُرُ نَحْوَهُ مِنْ مُخْتَصَرِ الْحَاكِمِ.
وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ اشْتِرَاطُ مَجْلِسِهَا فَلِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِهَا حَتَّى صَحَّ رُجُوعُهَا إذَا ابْتَدَأَ قَبْلَ قَبُولِ الزَّوْجِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا وَلَا إضَافَتُهَا وَالْمُبَادَلَاتُ تَسْتَدْعِي جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ، فَإِذَا لَمْ تُجِبْ حَتَّى قَامَتْ لَمْ يُعْتَبَرْ قَبُولُهَا إذْ ذَاكَ وَفِي جَانِبِهِ هُوَ يَمِينٌ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.
[فَرْعٌ]
قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَقَبِلَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا يُعْتَبَرُ الْقَبُولُ إلَّا بَعْدَ التَّزَوُّجِ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ، وَغَيْرُهُ جَعَلَ هَذَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: إذَا قَبِلَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ. وَالْحَقُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ خَلَعَ بَعْدَ التَّزَوُّجِ فَيَشْتَرِطُ الْقَبُولَ بَعْدَهُ
(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ) أَوْ قَالَتْ هِيَ أَوْ الْعَبْدُ طَلِّقْنِي أَوْ أَعْتِقْنِي وَلَك أَلْفٌ فَفِي ابْتِدَائِهِ