للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَيْضِ أَوْلَى، إمَّا عَمَلًا بِلَفْظِ الْجَمْعِ، لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْأَطْهَارِ وَالطَّلَاقُ يُوقَعُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُبْقِ جَمْعًا، أَوْ لِأَنَّهُ مُعَرِّفٌ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، أَوْ لِقَوْلِهِ «وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ» فَيَلْتَحِقُ بَيَانًا بِهِ

(وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ الْآيَةَ

عَدَمِ التَّجَوُّزِ بِاسْمِ الضِّدِّ فِي الضِّدِّ، وَقَدْ وَضَعَ بَعْضُ أَهْلِ الْعُقُولِ مِنْ مُعَرِّفَاتِ الِاشْتِرَاكِ كَوْنَ الْمَفْهُومِينَ مُتَضَادَّيْنِ. وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْأَدَبِ فَيَجُوزُ لِغَرَضِ تَمْلِيحٍ أَوْ تَهَكُّمٍ كَمَا يُقَالُ لِلْجَبَانِ أَسَدٌ أَوْ تَفَاؤُلٌ كَالْبَصِيرِ عَلَى الْأَعْمَى إلَّا أَنَّهَا بِمَعْزِلٍ مِنْ إفَادَاتِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهَا. وَأَمَّا فِي خُصُوصِ هَذَا الْمَقَامِ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَعَلَى أَنَّهُ لَمْ يُعَمَّمْ، إنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَعْيِينِ الْمُرَادِ مِنْ الْمَفْهُومَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِعَدَمِ الِانْتِظَامِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِتَضَادِّ الْمَفْهُومَيْنِ كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِمَا كَانَ أَحْسَنَ.

لَا يُقَالُ: اسْتِدْلَالُهُ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى الِاشْتِرَاكِ. لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ اللَّفْظِ حَقِيقَةً فِي مُتَعَدِّدٍ اشْتِرَاكُهُ لَفْظًا لِجَوَازِ التَّوَاطُؤِ وَالتَّشْكِيكِ. لَا يُقَالُ: لَيْسَ مَحَلُّ النِّزَاعِ كَمَا ذَكَرْت لِلتَّضَادِّ. لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا وَافَقَ مَنْ جَعَلَ تَعْمِيمَ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَنْعِ تَعْمِيمِهِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ التَّضَادِّ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ كُلٌّ مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ فَتَعْتَدُّ بِمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَثَلَاثِ حِيَضٍ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا أُرِيدَ تَحْقِيقُهُمَا فِي زَمَنِ أَحَدِهِمَا.

(قَوْلُهُ وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَيْضِ أَوْلَى) ادَّعَى الْحَقِيقَةَ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ وَاقْتَصَرَ عَلَى دَلِيلِ نَفْسِهِ كَأَنَّهُ لِعَدَمِ دَلِيلٍ مُعْتَمَدٍ لَهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُمْ: الْقُرْءُ بِمَعْنَى الطُّهْرِ هُوَ الَّذِي يُجْمَعُ عَلَى قُرُوءٍ، وَأَمَّا بِمَعْنَى الْحَيْضِ فَإِنَّمَا يُجْمَعُ عَلَى أَقْرَاءٍ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَكَوْنُهُ وَقَعَ فِي شِعْرِ الْأَعْشَى كَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ:

أَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمٌ غَزْوَةً … تَشُدُّ لِأَقْصَاهَا عَزِيمَ عَزَائِكَا

<<  <  ج: ص:  >  >>