للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصَارَ كَمَا إذَا خَافَتْ عَلَى مَتَاعِهَا أَوْ خَافَتْ سُقُوطَ الْمَنْزِلِ أَوْ كَانَتْ فِيمَا بِأَجْرٍ وَلَا تَجِدُ مَا تُؤَدِّيهِ.

(ثُمَّ إنْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِطَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ لَا بُدَّ مِنْ سُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا بَأْسَ بِهِ) لِأَنَّهُ مُعْتَرَفٌ بِالْحُرْمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ فَحِينَئِذٍ تَخْرُجُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ، وَلَا تَخْرُجُ عَمَّا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ هُوَ وَيَتْرُكَهَا (وَإِنْ جَعَلَا بَيْنَهُمَا امْرَأَةً ثِقَةً تَقْدِرُ عَلَى الْحَيْلُولَةِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ ضَاقَ عَلَيْهِمَا الْمَنْزِلُ فَلْتَخْرُجْ، وَالْأَوْلَى خُرُوجُهُ).

وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَحْفُوظٌ. وَهُمَا اثْنَانِ: سَعِيدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ أَشْهُرُهُمَا وَإِسْحَاقُ بْنُ سَعْدِ بْنِ كَعْبٍ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُمَا جَمِيعًا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَقَدْ ارْتَفَعَتْ عَنْهُمَا الْجَهَالَةُ انْتَهَى.

وَقَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ زَيْنَبُ بِنْتُ كَعْبٍ مَجْهُولَةٌ لَمْ يَرْوِ حَدِيثَهَا غَيْرُ سَعِيدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ دَفَعَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ، فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ إِسْحَاقَ ثِقَةٌ وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَزَيْنَبُ كَذَلِكَ ثِقَةٌ.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَفِي تَصْحِيحِهِ تَوْثِيقُهُمَا، وَلَا يَضُرُّ الثِّقَةُ أَنْ لَا يَرْوِيَ عَنْهُ إلَّا وَاحِدٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّهُ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ، وَأَمَّا مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ «أَنَّهُ أَمَرَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ» فَقَالَ فِيهِ: لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ أَبِي مَالِكٍ النَّخَعِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَمَحْبُوبُ بْنُ مُحْرِزٍ أَيْضًا ضَعِيفٌ وَعَطَاءُ بْنُ الْمُسَيِّبِ مُخْتَلِطٌ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ أَضْعَفُهُمْ، فَلِذَلِكَ أَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِهِ.

وَذِكْرُ الْجَمْعِ أَصْوَبُ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ.

(قَوْلُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا خَافَتْ عَلَى مَتَاعِهَا اللُّصُوصَ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ. وَإِذَا خَرَجَتْ إلَى مَنْزِلٍ لِلْعُذْرِ صَارَ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ فَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا لِعُذْرٍ وَتَعْيِينُ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَنْتَقِلُ إلَيْهِ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّوْجِ وَفِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ إلَيْهَا لِأَنَّهَا مُسْتَبِدَّةٌ فِي أَمْرِ السُّكْنَى حَتَّى أَنَّ أُجْرَةَ الْمَنْزِلِ إنْ كَانَ بِأَجْرٍ عَلَيْهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْكُنَ فِيهِ إلَّا أَنْ لَا تَجِدَ الْكِرَاءَ وَتَجِدَ مَا هُوَ بِلَا كِرَاءٍ فَلَهَا أَنْ تَتَحَوَّلَ إلَيْهِ، وَكَذَا فِي الزَّوْجِ الْغَائِبِ، وَلَا تَخْرُجُ الْمُعْتَدَّةُ إلَى صَحْنِ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا مَنَازِلُ الْأَجَانِبِ لِأَنَّهُ كَالْخُرُوجِ إلَى السِّكَّةِ، وَلِهَذَا يُقْطَعُ السَّارِقُ بِإِخْرَاجِ الْمَتَاعِ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ مَنَازِلُ بَلْ بُيُوتٌ جَازَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى صَحْنِهَا وَلَا تَصِيرُ بِهِ خَارِجَةً عَنْ الدَّارِ وَتَبِيتُ فِي أَيِّ بَيْتٍ شَاءَتْ مِنْهَا.

(قَوْلُهُ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ سُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ إلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ كَيْ لَا تَقَعَ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَكَذَا هَذَا فِي الْوَفَاةِ إذَا كَانَ مِنْ وَرَثَتِهِ مَنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لَهَا. ثُمَّ لَا بَأْسَ بِالْمُسَاكَنَةِ بَعْدَ اتِّخَاذِ الْحِجَابِ اكْتِفَاءً بِالْحَائِلِ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِهِ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَعْتَقِدُ الْحُرْمَةَ فَلَا يَقْدَمُ عَلَى الْمُحَرَّمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا فَحِينَئِذٍ تَخْرُجُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ هُوَ، وَكَذَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَتَحَقَّقُ عُذْرٌ يُبِيحُ الْخُرُوجَ، الْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ هُوَ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أَرْجَحُ فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِهِ، كَمَا يُقَالُ إذَا تَعَارَضَ مُحَرِّمٌ وَمُبِيحٌ تَرَجَّحَ الْمُحَرِّمُ أَوْ فَالْمُحَرِّمُ أَوْلَى، وَيُرَادُ مَا قُلْنَا، وَهَذَا لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا أَوْلَوِيَّةَ خُرُوجِهِ بِأَنَّ مُكْثَهَا وَاجِبٌ لَا مُكْثَهُ، وَمَتَى انْتَقَلَتْ فَتَعْيِينُ الْمَكَانِ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>