للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إحَالَةَ الْغَرِيمِ عَلَى الزَّوْجِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الِاسْتِدَانَةُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ عَلَيْهَا دُونَ الزَّوْجِ.

(وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لَهَا بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ ثُمَّ أَيْسَرَ فَخَاصَمَتْهُ تَمَّمَ لَهَا نَفَقَةَ الْمُوسِرِ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَمَا قَضَى بِهِ

غِنًى» وَفِي لَفْظٍ: «مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، تَقُولُ الْمَرْأَةُ إمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي، وَيَقُولُ الْعَبْدُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَيَقُولُ الْوَلَدُ أَطْعِمْنِي إلَى مَنْ تَدَعُنِي» قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ، قَالَ: لَا هَذَا مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَثَبَتَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ بِلَا شُبْهَةٍ، ثُمَّ لَيْسَ فِي قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ يَلْزَمُ بِالطَّلَاقِ، وَكَيْف وَهُوَ كَلَامٌ عَامٌّ مِنْهُ لَا يَخُصُّ الْمُعْسِرَ وَلَا الْمُوسِرَ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُوسِرَ إذَا لَمْ يُطْعَمْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْفِرَاقِ بَلْ يُحْبَسُ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ عَيْنًا وَهُوَ الِاتِّفَاقُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ عَلَى مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ كَانَ مَعْنَاهُ الْإِرْشَادَ إلَى مَا يَنْبَغِي مِمَّا يُدْفَعُ بِهِ ضَرَرُ الدُّنْيَا، مِثْلُ ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ يَعْنِي يَنْبَغِي أَنْ يُبْدَأَ بِنَفَقَةِ الْعِيَالِ وَإِلَّا قَالُوا لَك مِثْلَ ذَلِكَ وَشَوَّشُوا عَلَيْك إذَا اسْتَهْلَكْت النَّفَقَةَ لِغَيْرِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ مِثْلَهُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِثْلَ مَا يَلِيهِ مِنْ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ بَلْ مِثْلَ مَا قَبْلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَرِوَايَتِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ.

(قَوْلُهُ إحَالَةُ الْغَرِيمِ عَلَى الزَّوْجِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ وَفِي التُّحْفَةِ: فَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ أَنَّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَ دَيْنَهُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ الْمَرْأَةِ وَبِدُونِهِ الْأَمْرُ بِالِاسْتِدَانَةِ لَيْسَ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجِ بَلْ عَلَيْهَا وَهِيَ تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ، وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ إيجَابُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ مِنْهَا وَلَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ وَفَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فِي الصَّحِيحِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ وَحْدَهُ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ: الْمَرْأَةُ الْمُعْسِرَةُ إذَا كَانَ زَوْجُهَا مُعْسِرًا وَلَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ مُوسِرًا وَأَخٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا وَيُؤْمَرُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ وَيُحْبَسُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ إنْ امْتَنَعَ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ. قَالَ شَارِحُ الْكَنْزِ: تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْإِدَانَةَ لِنَفَقَتِهَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا وَهِيَ مُعْسِرَةٌ تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لَوْلَا الزَّوْجُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُعْسِرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَفَقَتِهِمْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ لَوْلَا الْأَبُ كَالْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ.

(قَوْلُهُ تَمَّمَ لَهَا نَفَقَةَ الْيَسَارِ) هَكَذَا مَشَى عَلَيْهِ أَيْضًا صَاحِبُ الْكَنْزِ بَعْدَ اعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ شَارِحُهُ بِأَنَّهُ نَوْعُ تَنَاقُضٍ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلَ الْبَابِ قَوْلُ الْخَصَّافِ ثُمَّ بَنَى الْحُكْمَ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ، وَلَوْ كَانَ فَرَضَ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ وَحَالِهَا مِقْدَارًا ثُمَّ غَلَا السِّعْرُ كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِأَنْ يَزِيدَ فِي الْفَرْضِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى قَلْبِهِ كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَنْقُصَ.

(قَوْلُهُ وَمَا قَضَى بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>