للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ﴾ وَالْمَوْلُودُ لَهُ هُوَ الْأَبُ

قَادِرِينَ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ نَفَقَتَهُ هُوَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا أَغْنِيَاءَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا.

الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ وَهُمْ صِغَارٌ أَوْ كِبَارٌ عَاجِزُونَ وَالْأَبُ أَيْضًا عَاجِزٌ عَنْ الْكَسْبِ، فَالْخَصَّافُ قَالَ: يَتَكَفَّفُ النَّاسَ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ نَفَقَتُهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ اكْتَسَبَ، فَإِنْ امْتَنَعَ عَنْ الْكَسْبِ حُبِسَ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ، وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ وَإِنْ عَلَا فِي دَيْنِ وَلَدٍ لَهُ وَإِنْ سَفُلَ إلَّا فِي النَّفَقَةِ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ إتْلَافُ النَّفْسِ وَلَا يَحِلُّ لِلْأَبِ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ عَدَا الْأَبُ عَلَى ابْنِهِ بِسَيْفٍ بِحَيْثُ لَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ إلَّا بِقَتْلِهِ حَلَّ لَهُ قَتْلُهُ، وَإِذَا لَمْ يَفِ كَسْبُهُ بِحَاجَتِهِمْ أَوْ لَمْ يَكْتَسِبْ لِعَدَمِ تَيَسُّرِ الْكَسْبِ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ الْقَرِيبُ وَرَجَعَ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَالٌ وَالْجَدُّ أَوْ الْأُمُّ أَوْ الْخَالُ أَوْ الْعَمُّ مُوسِرٌ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ الصَّغِيرِ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ، وَكَذَا يُجْبَرُ الْأَبْعَدُ إذَا غَابَ الْأَقْرَبُ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أُمٌّ مُوسِرَةٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهَا، وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ إلَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ فِي الْأَوَّلِ، وَمَا نَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ عَدَمِ الرُّجُوعِ فِيهِ نَظَرٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ جَدٌّ وَأُمٌّ مُوسِرَانِ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا عَلَى الْجَدِّ وَحْدَهُ لِجَعْلِهِ كَالْأَبِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَفِي نَفَقَاتِ الشَّهِيدِ: خَلَعَ امْرَأَتَهُ وَغَابَ عَنْهَا فَطَالَبَتْ عَمَّهُمْ فَعَلَى الْعَمِّ ثُلُثَا نَفَقَتِهِمْ وَعَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ يَرْجِعَانِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا إذَا كَانَتْ الْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةً.

(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى الْأَبِ رِزْقَ الْوَالِدَاتِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَوْلُودِ لَهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى عِلَّةِ الْإِيجَابِ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْوِلَادُ لَهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِمُشْتَقٍّ يُفِيدُ كَوْنَ مَبْدَإِ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةً لَهُ، فَإِذَا وَجَبَ نَفَقَةُ غَيْرِهِ بِسَبَبِهِ فَوُجُوبُ نَفَقَةِ نَفْسِهِ أَوْلَى، وَحِينَ ثَبَتَتْ نَفَقَتُهُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى تَبَيَّنَ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَةِ هِيَ نَفَقَةُ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الْخِدْمَةِ وَالتَّرْبِيَةِ وَالرَّضَاعِ، حَتَّى إنَّ اللَّبَنَ الَّذِي هُوَ مَئُونَتُهُ إنَّمَا يَسْتَحِيلُ لَبَنًا مِنْ غِذَائِهَا، فَإِيجَابُ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ إيجَابُ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ، إذْ لَيْسَتْ النَّفَقَةُ سِوَى إخْرَاجِ مَا يَحْتَاجُهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِكِفَايَتِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكِتَابِ مَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ مِنْ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَةُ شَخْصٍ آخَرَ بَلْ يَدْخُلُ فِيهَا الْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى. فِي الْخُلَاصَةِ. قَالَ هِشَامٌ: سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ النَّفَقَةِ فَقَالَ هِيَ الطَّعَامُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى وَلِأَنَّهُ جُزْؤُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>