الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ وَلِأَنَّهُمْ سَبَّبُوا لِإِحْيَائِهِ فَاسْتَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْإِحْيَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبَوَيْنِ. وَشُرِطَ الْفَقْرُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَا مَالٍ، فَإِيجَابُ نَفَقَتِهِ فِي مَالِهِ أَوْلَى مِنْ إيجَابِهَا فِي مَالِ غَيْرِهِ، وَلَا يُمْنَعُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ لِمَا تَلَوْنَا (وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَالْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ) أَمَّا الزَّوْجَةُ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لَهَا بِالْعَقْدِ لِاحْتِبَاسِهَا لِحَقٍّ لَهُ مَقْصُودٍ، وَهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِاتِّحَادِ الْمِلَّةِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ ثَابِتَةٌ وَجُزْءَ الْمَرْءِ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ، فَكَمَا لَا يُمْتَنَعُ نَفَقَةُ نَفْسِهِ لِكُفْرِهِ لَا يُمْتَنَعُ نَفَقَةُ جُزْئِهِ إلَّا أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا حَرْبِيِّينَ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانُوا مُسْتَأْمَنَيْنِ، لِأَنَّا نُهِينَا عَنْ الْبِرِّ فِي حَقِّ مَنْ يُقَاتِلُنَا فِي الدِّينِ.
(وَلَا تَجِبُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ نَفَقَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ)
أَعْنِي لَفْظَ الْأَبَوَيْنِ الَّذِي هُوَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمَانِ فِيمَا إذَا قَالُوا آمَنُونَا عَلَى آبَائِنَا صَرَّحُوا بِعَدَمِ دُخُولِ الْأَجْدَادِ لِعُمُومِ انْتِظَامِ اللَّفْظِ، فَإِنْ أَرَادَ إلْحَاقَهُمْ بِالْقِيَاسِ فَلَا حَاجَةَ، بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ بِأَنَّهُمْ مِنْ الْآبَاءِ بَلْ يُعَلَّلُ اسْتِحْقَاقُ الْأَبَوَيْنِ النَّفَقَةَ بِتَسَبُّبِهِمْ فِي وُجُودِهِ وَيُلْحَقُ بِهِمْ الْأَجْدَادُ وَيَعْتَبِرُهُ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ، وَمِنْ الْعَجَبِ عَدَمُ اعْتِبَارِهِمْ إيَّاهُ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ فِي الْأَمَانِ لِيَدْخُلَ الْأَجْدَادُ مَعَ أَنَّ الْأَمَانَ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ. وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا يَقُومُ الْجَدُّ إلَخْ قِيَامُهُ مَقَامَهُ فِي الْوِرَاثَةِ وَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ وَلَدِ الْوَلَدِ، هَذَا وَلَوْ قَالَ: إنَّهُمْ مِنْ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَالِدَاتِ كَانَ أَقْرَبَ لِأَنَّ مَرْجِعَ ضَمِيرِ صَاحِبْهُمَا الْوَالِدَانِ لَا الْأَبَوَانِ.
(قَوْلُهُ أَمَّا الزَّوْجَةُ إلَخْ) عُرِفَ مِنْ قَوْلِهِ وَاجِبَةٌ بِالْعَقْدِ لِاحْتِبَاسِهَا أَنَّهُ حَيْثُ أَضَافَ إيجَابَ النَّفَقَةِ إلَى الْعَقْدِ فَهُوَ إضَافَةٌ إلَى الْعِلَّةِ الْبَعِيدَةِ وَأَنَّ الْمُؤَثِّرَ بِالذَّاتِ هُوَ الِاحْتِبَاسُ الْخَاصُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَا.
(قَوْلُهُ فَكَمَا لَا يُمْتَنَعُ إلَخْ) الْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: فَكَمَا يُجْبَرُ عَلَى إنْفَاقِهِ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ كُفْرِهِ وَذِمَّتِهِ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ جُزْئِهِ لِأَنَّ عَدَمَ الِامْتِنَاعِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْوُجُوبَ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ بَلْ أَخَصُّ مِنْهُ وَهُوَ الْجَبْرُ عَلَيْهِ، وَكَوْنُهُ يَجْبُرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى إنْفَاقِهِ عَلَى نَفْسِهِ مَحَلُّ نَظَرٍ، أَمَّا فَتْوَاهُ بِوُجُوبِ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَكَذَا أَمْرُهُ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ نَفَقَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ) إظْهَارٌ لِبَعْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute