للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي غَيْرِهِ. لَهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْعِتْقِ مِنْ غَيْرِ مَرْضَاةِ الْمَالِكِ يَنْفِيهِ الْقِيَاسُ أَوْ لَا يَقْتَضِيه، وَالْأُخُوَّةُ وَمَا يُضَاهِيهَا نَازِلَةٌ عَنْ قَرَابَةِ الْوِلَادِ فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ أَوْ الِاسْتِدْلَال بِهِ، وَلِهَذَا امْتَنَعَ التَّكَاتُبُ عَلَى الْمَكَاتِبِ فِي غَيْرِ الْوِلَادِ وَلَمْ يَمْتَنِعُ فِيهِ. وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ مَلَكَ قَرِيبَهُ قَرَابَةً مُؤَثِّرَةً فِي الْمَحْرَمِيَّةِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَهَذَا

فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْتَقَهُ». (قَوْلُهُ وَالشَّافِعِيُّ إلَخْ) وَبِقَوْلِنَا قَالَ أَحْمَدُ، وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَفِي الْغَايَةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَحَمَّادُ وَالْحَكَمُ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَأَبُو سَلَمَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَاللَّيْثُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ وَإِسْحَاقُ وَالظَّاهِرِيَّةُ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَعْتِقُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادَةِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لَا غَيْرُ.

وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ: إذَا مَلَكَ قَرِيبَهُ لَا يَعْتِقُ بِدُونِ الْإِعْتَاقِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» وَلَوْ عَتَقَ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِهِ فَيُعْتِقَهُ فَائِدَةٌ، وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ لَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْمِلْكِ فَلَا تَمْنَعُ بَقَاءَهُ.

وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾ ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا - لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا﴾ ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ ثَبَتَ بِهِ أَنَّ الِابْنِيَّةَ تُنَافِي الْعَبْدِيَّةَ، فَإِذَا ثَبَتَتْ الِابْنِيَّةُ انْتَفَتْ الْعَبْدِيَّةُ وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ فَيُعْتِقُهُ بِذَلِكَ الشِّرَاءِ كَمَا يُقَالُ أَطْعَمَهُ فَأَشْبَعَهُ وَسَقَاهُ فَأَرْوَاهُ، وَالتَّعْقِيبُ حَاصِلٌ إذْ الْعِتْقُ يَعْقُبُ الشِّرَاءَ وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا لَهُ الْمِلْكَ ابْتِدَاءً لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْصُلُ قَبْلَهُ بِخِلَافِ مِلْكِ النِّكَاحِ لَمْ يَثْبُتْ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إثْبَاتِهِ لِاسْتِعْقَابِ الْبَيْنُونَةِ (قَوْلُهُ: لَهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْعِتْقِ مِنْ غَيْرِ مَرْضَاةِ الْمَالِكِ) فِي الْوِلَادِ (يَنْفِيهِ الْقِيَاسُ) عَلَى غَيْرِ الْقَرِيبِ مِنْ الْعَبِيدِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَمْلَاكِ إذْ لَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ مَالِكِهَا مِنْ غَيْرِ رِضًا وَاخْتِيَارٍ (أَوْ لَا يَقْتَضِيهِ) الْقِيَاسُ وَلَا يَنْفِيهِ وَقَدْ ثَبَتَ الْعِتْقُ فِي الْوِلَادِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ إلَّا مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ، وَالْأُخُوَّةُ وَمَا يُضَاهِيهَا نَازِلَةٌ عَنْ قَرَابَةِ الْوِلَادِ فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ: أَيْ إلْحَاقُ غَيْرِ الْوِلَادِ بِالْوِلَادِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِدْلَالِ: أَيْ الْإِلْحَاقُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَالْمُسَاوَاةِ، بَلْ يَجِبُ الْإِلْحَاقُ بِغَيْرِ الْمَحَارِمِ مِنْ الْقَرَابَاتِ، فَالْقَرَابَاتُ ثَلَاثٌ وِلَادٌ وَغَيْرُهُ مَعَ الْمَحْرَمِيَّةِ وَعَدَمِهَا كَأَبْنَاءِ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَأَبْنَاءِ الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ. وَيَجِبُ رَدُّ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ إلَى مَا هُوَ أَشْبَهُ بِهِ مِنْ قَرَابَتَيْ الْوِلَادِ وَغَيْرِ الْمَحَارِمِ، وَهُوَ بِالثَّانِي أَشْبَهُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، أَمَّا حَقِيقَةً فَلِأَنَّ قَرَابَتَهُمْ قَرَابَةُ مُجَاوِرَةٍ فِي الرَّحِمِ، وَقَرَابَةُ الْوِلَادِ قَرَابَةٌ بَعْضِيَّةٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّا رَأَيْنَا أَحْكَامَهُمْ مُتَّحِدَةٌ بِغَيْرِ الْمَحَارِمِ فِي الشَّهَادَةِ وَالْقَوَدِ وَحِلِّ الْحَلِيلَةِ وَامْتِنَاعِ التَّكَاتُبِ فَكَذَا فِي هَذَا الْحُكْمِ (قَوْلُهُ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا) فَيَضْمَحِلُّ مَعَهُ جَمِيعُ الْمَعَانِي الْمُعَيَّنَةِ.

وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ بَلْ دَلَالَةُ النَّصِّ تَقْرِيرُهُ (مِلْكُ قَرِيبِهِ قَرَابَةً مُؤْثَرَةٍ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ) كَمَا فِي الْوِلَادِ (وَهَذَا) أَعْنِي كَوْنُهُ قَرَابَةً مُؤَثِّرَةً فِي الْمَحْرَمِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>