للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَقَدْرُ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ مِنْ النَّجِسِ الْمُغَلَّظِ كَالدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَخُرْءِ الدَّجَاجِ وَبَوْلِ الْحِمَارِ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ وَإِنْ زَادَ لَمْ تَجُزْ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: قَلِيلُ النَّجَاسَةِ وَكَثِيرُهَا سَوَاءٌ لِأَنَّ النَّصَّ الْمُوجِبَ لِلتَّطْهِيرِ لَمْ يُفَصِّلْ.

وَلَنَا أَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَيُجْعَلُ عَفْوًا، وَقَدَّرْنَاهُ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ

مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهَا شَرْعًا بِالْجَفَافِ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ مَعْنَى الذَّكَاةِ فِي الْآثَارِ وَمُلَاقَاةُ الطَّاهِرِ الطَّاهِرَ لَا يُوجِبُ التَّنْجِيسَ بِخِلَافِ الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ لَوْ دَخَلَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ نَجِسٌ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّ غَيْرَ الْمَائِعِ لَمْ يُعْتَبَرْ مُطَهِّرًا فِي الْبَدَنِ إلَّا فِي الْمَنِيِّ عَلَى رِوَايَةٍ، وَالْجَوَازُ بِغَيْرِهِ لِسُقُوطِ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ عَفْوًا لَا طَهَارَتَهُ فَعَنْهُ آخِذُوا كَوْنِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فِي النَّجَاسَاتِ عَفْوًا.

(قَوْلُهُ وَ) لَوْ أَصَابَ الثَّوْبَ (قَدْرُ الدِّرْهَمِ إلَخْ) حَاصِلُ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَحْثِ إفَادَةُ كَوْنِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا يَمْنَعُ فِي الْغَلِيظَةِ وَمَا لَمْ يَفْحُشْ فِي الْخَفِيفَةِ وَتَقْدِيرِ الدِّرْهَمِ وَالْفَاحِشِ وَإِعْطَاءِ ضَابِطِ الْغَلِيظَةِ وَالْخَفِيفَةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَنْقُولُ.

وَوَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّ مَا لَا يَأْخُذَهُ الطَّرَفُ كَوَقْعِ الذُّبَابِ مُخَصَّصٌ مِنْ نَصِّ التَّطْهِيرِ اتِّفَاقًا فَيَخُصُّ أَيْضًا قَدْرَ الدِّرْهَمِ بِنَصِّ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ لِأَنَّ مَحَلَّهُ قَدْرُهُ وَلَمْ يَدْخُلْ حَتَّى لَوْ دَخَلَ فِي قَلِيلِ مَاءٍ نَجَّسَهُ، أَوْ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ وَقْتُ الْإِصَابَةِ فَلَوْ كَانَ دُهْنًا نَجِسًا قَدْرَ دِرْهَمٍ فَانْفَرَشَ فَصَارَ أَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ فِي اخْتِيَارِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَجَمَاعَةٍ، وَمُخْتَارُ غَيْرِهِمْ الْمَنْعُ، فَلَوْ صَلَّى قَبْلَ اتِّسَاعِهِ جَازَتْ وَبَعْدَهُ لَا، وَلَا يُعْتَبَرُ نُفُوذُ الْمِقْدَارِ إلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ إذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاحِدًا لِأَنَّ النَّجَاسَةَ حِينَئِذٍ وَاحِدٌ فِي الْجَانِبَيْنِ فَلَا يُعْتَبَرُ مُتَعَدِّدًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَا طَاقَيْنِ لِتَعَدُّدِهَا فَيَمْنَعُ، وَعَنْ هَذَا فُرِّعَ الْمَنْعُ لَوْ صَلَّى مَعَ دِرْهَمٍ مُتَنَجِّسِ الْوَجْهَيْنِ لِوُجُودِ الْفَاصِلِ بَيْنَ وَجْهَيْهِ وَهُوَ جَوْهَرُ سُمْكِهِ، وَلِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَنْفُذُ نَفْسُ مَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ فَلَمْ تَكُنْ النَّجَاسَةُ فِيهِمَا مُتَّحِدَةً، ثُمَّ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَانِعُ مُضَافًا إلَيْهِ، فَلَوْ جَلَسَ الصَّبِيُّ الْمُتَنَجِّسُ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي حِجْرِ الْمُصَلِّي وَهُوَ يَسْتَمْسِكُ أَوْ الْحَمَامُ الْمُتَنَجِّسُ عَلَى رَأْسِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ فَلَمْ يَكُنْ حَامِلَ النَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَمَلَ مَنْ لَا يَسْتَمْسِكُ حَيْثُ يَصِيرُ مُضَافًا إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ، هَذَا وَالصَّلَاةُ مَكْرُوهَةٌ مَعَ مَا لَا يَمْنَعُ حَتَّى قِيلَ لَوْ عَلِمَ قَلِيلَ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ يَرْفُضُهَا مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْوَقْتِ أَوْ الْجَمَاعَةِ وَأَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ.

وَقَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ اخْتِيَارٌ لِلتَّقْدِيرِ بِعَرْضِ الْكَفِّ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَاخْتَارَ شَارِحُ الْكَنْزِ تَبَعًا لِكَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ مَا قِيلَ مِنْ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالَهُ أَبُو جَعْفَرٍ لِأَنَّ إعْمَالَ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا أَمْكَنَ أَوْلَى خُصُوصًا مَعَ مُنَاسَبَةِ هَذَا التَّوْزِيعِ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهِ بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ يُفِيدُ أَنَّ أَصْلَ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ دَأْبُهُ فِي مِثْلِهِ مِنْ عَدَمِ التَّقْدِيرِ، فَمَا عُدَّ فَاحِشًا مُنِعَ وَمَا لَا فَلَا حَتَّى رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ تَقْدِيرَهُ، وَقَالَ: الْفَاحِشُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ طِبَاعِ النَّاسِ، فَوَقَفَهُ عَلَى عَدِّ طِبَاعِ الْمُبْتَلَى إيَّاهُ فَاحِشًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>