للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لَيْسَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ ، فَلَمْ يُوجِبْ فِي الْحَدِيثِ عِلَّةً قَادِحَةً، وَكَذَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا فِي مَمْلُوكٍ فَخَلَاصُهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا قُوِّمَ عَلَيْهِ فَاسْتَسْعَى بِهِ غَيْرُ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ»، أَيْ لَا يُغْلِي عَلَيْهِ الثَّمَنَ، أَفَادَ عَدَمَ سِرَايَةِ الْعِتْقِ إلَى الْكُلِّ بِمُجَرَّدِ عِتْقِ الْبَعْضِ وَإِلَّا لَكَانَ قَدْ خَلَصَ قَبْلَ تَخْلِيصِ الْمُعْتَقِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

وَأَمَّا مَا رُوِيَ لَهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ أَوْ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ بِقِيمَةِ عَدْلٍ فَهُوَ عَتِيقٌ» وَفِي لَفْظٍ «فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ» فَإِنَّمَا يَقْتَضِي عِتْقُ كُلِّهِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَتَهُ، وَلَيْسَ مُدَّعَاهُمَا ذَلِكَ بَلْ إنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ بِمُجَرَّدِ إعْتَاقِ بَعْضِهِ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَا، فَقَدْ أَفَادَتْ الْأَحَادِيثُ أَنَّ الْعِتْقَ مِمَّا يَقْتَصِرُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودُهُ السِّرَايَةَ وَإِنْ وَرَدَتْ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ.

وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَقَ إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ كَانَ إعْتَاقُ الْبَعْضِ إعْتَاقًا لِلْكُلِّ وَإِتْلَافًا لَهُ لَضَمِنَ مُطْلَقًا، كَمَا إذَا أَتْلَفَهُ بِالسَّيْفِ أَوْ بِالشَّهَادَةِ بِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ فِي هَذَا: إنَّ السِّعَايَةَ تَقُومُ مَقَامَهُ فَلَا يَتَعَيَّنُ، وَحَيْثُ ثَبَتَ الِاقْتِصَارُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِتْقِ فِي قَوْلِهِ «فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» زَوَالَ الْمِلْكِ، وَكَذَا يَلْزَمُ فِي قَوْلِ كُلِّ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ الْقَوْلُ بِتَجْزِيئِهِ كَالْحَسَنِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ، بِخِلَافِ مَا قِيلَ: إنَّ قَوْلَ عُمَرَ قَوْلُهُمَا فَقَدْ أَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ لَنَا غُلَامٌ شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ فَأَبْلَى فِيهَا، وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أُمِّي وَأَخِي الْأَسْوَدِ فَأَرَادُوا عِتْقَهُ وَكُنْت يَوْمَئِذٍ صَغِيرًا، فَذَكَرَ الْأَسْوَدُ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: أَعْتِقُوا أَنْتُمْ، فَإِذَا بَلَغَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَرَغِبَ فِيمَا رَغِبْتُمْ فِيهِ أَعْتَقَ وَإِلَّا ضَمَّنَكُمْ.

أَثْبَتَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإِعْتَاقَ بَعْدَ بُلُوغِهِ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ إعْتَاقُهُمَا وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يَتَجَزَّأُ زَوَالًا عِنْدَ أَحَدٍ فَلَزِمَ الْمَطْلُوبُ، وَهُوَ أَنَّ النَّازِلَ بِالْإِعْتَاقِ بِالذَّاتِ زَوَالُ الْمِلْكِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ لَزِمَ فِي إعْتَاقِ بَعْضِ الْعَبْدِ الْخَاصِّ بِهِ أَنْ يَعْتِقَ ذَلِكَ الْقَدْرِ: أَيْ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ وَيَبْقَى كَمَالُ الرِّقِّ فِيهِ كُلِّهِ وَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَكَلَّمُ فِيهَا، وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا زَالَ بِالْإِعْتَاقِ هُوَ الْمِلْكُ وَالرِّقُّ ثَابِتٌ فِي كُلِّهِ وَلَازَمَهُ شَرْعًا أَنْ لَا يَبْقَى فِي الرِّقِّ لَزِمَ أَنْ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي بَاقِي قِيمَتِهِ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّةِ الْبَاقِي عِنْدَهُ، وَمَا لَمْ يُؤَدَّ السِّعَايَةُ فَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ عِتْقُ كُلِّهِ عَلَى أَدَاءِ الْبَدَلِ، وَكَوْنُهُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ وَلَا يَدَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ وَلَا اسْتِخْدَامَ وَكَوْنُهُ رَقِيقًا كُلَّهُ إلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ لَا يُرَدُّ إلَى الِاسْتِخْدَامِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُسْتَسْعَى زَالَ الْمِلْكُ عَنْ بَعْضِهِ لَا إلَى مَالِك صَدَقَةٍ عَلَيْهِ بِهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمَالُ ضَرُورَةَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ تَضْمِينُهُ قَسْرًا، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ عِتْقَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْتِزَامِهِ بِعَقْدٍ بِاخْتِيَارِهِ يُقَالُ وَيُفْسَخُ بِتَعْجِيزِهِ نَفْسَهُ، وَعَلَى هَذَا مَا إذَا أَعْتَقَ أَمَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ ثُمَّ وَلَدَتْ فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتَقَ الْقِيمَةَ عَنْ نَصِيبِهِ يَوْمَ أَعْتَقَ وَلَا يُضَمِّنُهُ شَيْئًا مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مَا صَنَعَ فِي الْوَلَدِ شَيْئًا وَلِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الشَّرِيكِ فِي الْوَلَدِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً حِينَ وَلَدَتْ وَالْمُكَاتَبَةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا كَمَا أَنَّهَا أَحَقُّ بِكَسْبِهَا، وَالِاعْتِرَاضُ أَنَّهُ لَيْسَ كَالْمُكَاتَبِ لِهَذَا الْفَرْقِ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ لَا يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ وَجْهِ الشَّبَهِ فِيهِ، وَإِذَا تَحَقَّقْتَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا ذَكَرُوا مِنْ إلْحَاقِهِمْ بِالطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالِاسْتِيلَادِ غَيْرُ مُفِيدٍ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ إلْحَاقُ إزَالَةِ الرِّقِّ بِهَا فِي عَدَمِ التَّجْزِيءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>