(وَمَنْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ مَاتَ أَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَتَقَ الْآخَرُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ بِالْبَيْعِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالتَّدْبِيرِ فَتَعَيَّنَ لَهُ الْآخَرُ، وَلِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ قَصَدَ الْوُصُولَ إلَى الثَّمَنِ وَبِالتَّدْبِيرِ إبْقَاءَ الِانْتِفَاعِ إلَى مَوْتِهِ، وَالْمَقْصُودَانِ
فِي الْفَرْقِ بِمَا ذَكَرَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِتَجَزِّي الْإِعْتَاقِ فِي الْأَعْبُدِ فَيَقْوَى بِهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ سُقُوطِ ذَلِكَ السُّؤَالِ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ مَاتَ أَوْ قَالَ لَهُ) أَيْ لِأَحَدِهِمَا (أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَتَقَ الْآخَرُ) الْمَقْصُودُ ذِكْرُ مَا يَقَعُ بِهِ الْبَيَانُ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ يُوجِبُ الْبَيَانَ كَالطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ لَا بَيَانَ إلَّا بِالْقُرْعَةِ، وَبِاللَّفْظِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَقُولَ: كُنْت نَوَيْته عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِهِ، وَعِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ لَا يَعْتِقُ أَصْلًا.
وَالْبَيَانُ يَقَعُ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ اخْتَرْت أَنْ يَكُونَ هَذَا حُرًّا بِذَلِكَ اللَّفْظِ الَّذِي قُلْته، أَوْ يَقُولَ: أَنْتَ حُرٌّ بِذَلِكَ الْعِتْقِ أَوْ أَعْتَقْتُك بِذَلِكَ الْعِتْقِ، أَمَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت بِذَلِكَ الْعِتْقَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً فَلَا يَعْتِقُ الْآخَرُ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا عَتَقَ هُوَ وَالْآخَرُ مَعًا لِأَنَّ هَذَا عِتْقٌ آخَرُ نَازِلٌ بِغَيْرِ الْأَوَّلِ وَبِهِ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِنُزُولِ عِتْقٍ آخَرَ فَكَانَ كَالْمَوْتِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ بِذَلِكَ الْإِعْتَاقِ. وَدَلَالَةً كَمَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا مَعَ قَبْضٍ وَدُونَهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْبَيَانَ يَقَعُ بِتَصَرُّفٍ مُخْتَصٍّ بِالْمِلْكِ سَوَاءٌ كَانَ مُخْرِجًا لَهُ عَنْ الْمِلْكِ كَمَا لَوْ نَجَّزَ عِتْقَ أَحَدِهِمَا أَوْ بَاعَهُ أَوَّلًا، وَلِذَا عَتَقَ الْآخَرُ بِالْمُسَاوَمَةِ فِي صَاحِبِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ اسْتِبْقَاءَ مِلْكِهِ فِي الَّذِي تَصَرَّفَ فِيهِ فَيَقَعُ بَيَانًا لِعِتْقِ الْآخَرِ، وَحُكْمًا كَمَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ الْآخَرُ، وَلَيْسَ بَيَانًا مِنْ الْمُتَكَلِّمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ اخْتِيَارِيًّا، وَلِأَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَا إنْشَاءَ فِي الْآخَرِ بِمَوْتِ قَرِينِهِ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ صِفَةُ اللَّفْظِ، بَلْ لَزِمَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ذَلِكَ بِسَبَبِ فَوَاتِ مَحَلِّيَّةِ الَّذِي مَاتَ لِنُزُولِ الْعِتْقِ فِيهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ عِتْقِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَلَزِمَ لِذَلِكَ الْكَلَامِ عِتْقُ الْحَيِّ وَمَا يَقَعُ بِهِ الْبَيَانُ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ الْمُنَجَّزِ يَقَعُ بِهِ فِي الْمُعْتَقِ الْمُبْهَمِ الْمُعَلَّقِ كَأَنْ قَالَ: إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَأَحَدُكُمَا حُرٌّ، فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الشَّرْطِ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ ثُمَّ جَاءَ زَيْدٌ عَتَقَ الْبَاقِي. وَفُرِّقَ بَيْنَ الْبَيَانِ الْحُكْمِيِّ وَالصَّرِيحِ، فَإِنَّ الْحُكْمِيَّ قَدْ رَأَيْت أَنَّهُ يَصِحُّ قَبْلَ الشَّرْطِ، بِخِلَافِ الصَّرِيحِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ قَبْلَ الشَّرْطِ اخْتَرْت أَنْ يَعْتِقَ فُلَانٌ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ لَا يُعْتَبَرُ لِأَنَّهُ اخْتِيَارٌ قَبْلَ وَقْتِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ ثُمَّ عَيَّنَ إحْدَاهُمَا لِلْحِنْثِ لَا يَصِحُّ تَعْيِينُهُ وَلَوْ بَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ اشْتَرَاهُمَا ثُمَّ جَاءَ زَيْدٌ ثَبَتَ حُكْمُ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمَا وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ كَانَ الْيَمِينُ قَبْلَ الْحُرِّيَّةِ الْمَجْهُولَةِ يَعْنِي قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَعَ آخَرَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ فَعَتَقَ ذَلِكَ الْمَحْلُوفُ بِعِتْقِهِ عَتَقَ الْآخَرُ لِفَوَاتِ مَحَلِّيَّةِ الْمَحْلُوفِ بِعِتْقِهِ بِالْعِتْقِ فَصَارَ كَمَوْتِهِ وَلَوْ كَاتَبَ أَوْ رَهَنَ أَوْ آجَرَ يَكُونُ بَيَانًا، وَلَوْ اسْتَخْدَمَ أَحَدَهُمَا أَوْ قَطَعَ يَدَهُ أَوْ جَنَى عَلَيْهِ لَا يَكُونُ بَيَانًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ بِالْبَيْعِ) أَيْ وَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى الْمُتَكَلِّمِ بِالْعِتْقِ الْمُبْهَمِ بِسَبَبِ بَيْعِهِ إيَّاهُ (وَلِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) أَيْ وَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ الْعِتْقُ الْمُلْتَزَمُ بِقَوْلِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَإِنَّ حَاصِلَهُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ كَامِلٍ بِالْبَيَانِ.
وَبِالتَّدْبِيرِ لَمْ يَبْقَ عِتْقُهُ عِتْقًا كَامِلًا لِاسْتِحْقَاقِهِ الْعِتْقَ عِنْدَ الْمَوْتِ (فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ، وَلِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ قَصَدَ الْوُصُولَ إلَى الثَّمَنِ وَبِالتَّدْبِيرِ) قَصَدَ (اسْتِبْقَاءَ الِانْتِفَاعِ) بِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَأَنْ يُعْتِقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَالْمَقْصُودَانِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute