وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْعَبْدِ وَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَلَا جَبْرَ عَلَى مُبَاشَرَةِ شُرُوطِ الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِحْقَاقَ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَالْبَدَلُ فِيهَا وَاجِبٌ.
وَلَنَا أَنَّهُ تَعْلِيقٌ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ وَمُعَاوَضَةٌ نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ مَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْأَدَاءِ إلَّا لِيَحُثَّهُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ فَيَنَالَ الْعَبْدُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ وَالْمَوْلَى الْمَالَ بِمُقَابَلَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ، وَلِهَذَا كَانَ عِوَضًا فِي الطَّلَاقِ فِي مِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ حَتَّى كَانَ بَائِنًا فَجَعَلْنَاهُ تَعْلِيقًا فِي الِابْتِدَاءِ عَمَلًا بِاللَّفْظِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَوْلَى حَتَّى لَا يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ بَيْعُهُ، وَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ وَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَجَعَلْنَاهُ مُعَاوَضَةً فِي الِانْتِهَاءِ عِنْدَ الْأَدَاءِ دَفْعًا لِلْغُرُورِ عَنْ الْعَبْدِ حَتَّى يُجْبَرَ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ،
أَخَذَهُ مُخْتَارًا، وَأَمَّا عَدَمُ الْعِتْقِ فِي قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَحَجَجْت بِهَا فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِشَيْئَيْنِ الْمَالِ وَالْحَجِّ فَلَا يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ الْمَالِ لِبُطْلَانِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، وَلِذَا إنْ كَانَ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا أَحُجُّ بِهَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ إتْمَامُ الشَّرْطِ وَالْحَجُّ وَقَعَ مَشُورَةً.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ: أَيْ لَا يَنْزِلُ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ بَلْ إنْ أَخَذَهُ كَانَ قَابِضًا وَعَتَقَ الْعَبْدُ. وَقَوْلُهُ هُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ يَمِينٍ إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ لَفْظًا، وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى قَبُولِ الْعَبْدِ وَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَإِذَا كَانَ يَمِينًا فَلَا إجْبَارَ عَلَى مُبَاشَرَةِ شُرُوطِ الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِحْقَاقَ قَبْلَ الشَّرْطِ بَلْ بِالشَّرْطِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُبَاشِرَ الْإِنْسَانُ سَبَبًا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَازِمَةٍ وَالْبَدَلُ فِيهَا وَاجِبٌ عَلَى الْعَبْدِ فَيُجْبَرُ عَلَى قَبْضِهِ إذَا أَتَى بِهِ أَمَّا هُنَا الْبَدَلُ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَى الْعَبْدِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى قَبُولُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَثْبُتُ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ إذَا حَفَّ بِمَا يَقْتَضِيهَا كَقَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُكَاتَبًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الدِّرَايَةِ مُقْتَصِرًا، وَنَسَبَهُ إلَى الْخِزَانَةِ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي مَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ.
وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَفِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ لَا يَكُونُ مُكَاتَبًا وَلَهُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشُرُوطٍ، وَهُوَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَالَ عَشْرَ مَرَّاتٍ وَالتَّعْلِيقُ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَشُرُوطٍ سَوَاءً. وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ جَعَلَهُ مُنَجَّمًا وَالتَّنْجِيمُ مِنْ حُكْمِ الْكِتَابَةِ وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي لَا لِلْأَلْفَاظِ وَاسْتُشْهِدَ لِأَبِي حَفْصٍ بِمَا لَوْ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَلَمْ يُؤَدِّهِ فِيهِ، وَأَدَّاهُ فِي غَيْرِهِ لَا يَعْتِقُ اتِّفَاقًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا تَنْجِيمٌ تَحْتَمِلُ التَّأَمُّلَ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ تَعْلِيقٌ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ وَمُعَاوَضَةٌ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ مَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْأَدَاءِ إلَّا لِيَحُثَّهُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ فَيَنَالَ الْعَبْدُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ) مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ وَيَنَالَ السَّيِّدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute