(فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مُضَافٌ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ وَالْحُكْمُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ فَيَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ يَسْعَى فِي كُلِّ قِيمَتِهِ؛ لِتَقَدُّمِ الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ.
(وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ) وَعَلَى
الْمَقْصِدُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْبِرِّ وَأَنَّهُ يُضَادُّ وُقُوعَهُمَا، وَوُقُوعُهَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي التَّعْلِيقِ الَّذِي هُوَ التَّدْبِيرُ، فَلَزِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ التَّعْلِيقَ مِنْهُ مَا لَيْسَ بِيَمِينٍ وَهُوَ التَّدْبِيرُ بِلَفْظِ التَّعْلِيقِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ يَمِينٌ فَلَا يُمْكِنُ سَبَبِيَّةُ الْمُعَلَّقِ قَبْلَ الشَّرْطِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَأَمْكَنَ فِي التَّدْبِيرِ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ فَلَزِمَتْ سَبَبِيَّتُهُ فِي الْحَالِ.
وَإِذَا انْعَقَدَتْ سَبَبِيَّةُ الْعِتْقِ فِي الْحَالِ يَتَحَقَّقُ ثُبُوتُ حَقِّ الْعِتْقِ لَهُ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِحَقِيقَةٍ فَلَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ النَّقْضُ بِمَا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَمَّا أَعْتَقَ بِأَمْرٍ كَائِنٍ أَلْبَتَّةَ لَزِمَ أَنَّ الْمُرَادَ ثُبُوتُ الْمُعَلَّقِ فِيهِ لَا مَنْعُهُ فَلَمْ يَكُنْ يَمِينًا فَانْتَفَى مَانِعُ السَّبَبِيَّةِ فِي الْحَالِ فَيَنْعَقِدُ فِيهِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ قَبْلَ الْغَدِ وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَهَذَا الْإِشْكَالُ لَا يَنْدَفِعُ عَنْ هَذَا الْوَجْهِ بِمَنْعِ كَوْنِهِ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ؛ لِجَوَازِ قِيَامِ الْقِيَامَةِ قَبْلَ الْغَدِ فَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِمَجِيءِ الْغَدِ وُجُودَ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ مِنْ خُرُوجِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ عِيسَى وَنُزُولِ عِيسَى ﵇ وَغَيْرِهِمَا، أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي فِي الْأَغْلَبِ فَيَلْحَقُ الْفَرْدَ النَّادِرَ بِهِ اعْتِرَافٌ بِالْإِيرَادِ، عَلَى أَنَّ كَوْنَ التَّعْلِيقِ بِمِثْلِ مَجِيءِ الْغَدِ وَرَأْسِ الشَّهْرِ نَادِرًا غَيْرُ صَحِيحٌ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِمَا هُوَ حَاصِلُ الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ التَّعْلِيقَ الَّذِي هُوَ التَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ خِلَافُهُ فِي الْحَالِ كَالْوِرَاثَةِ.
وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى عِبَارَتِهِ إلَّا بِعِنَايَةٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَالْوَصِيَّةُ خِلَافُهُ: أَيْ الْوَصِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ وَهِيَ الْوَصِيَّةُ بِرَقَبَتِهِ خِلَافَةٌ كَالْوِرَاثَةِ حَتَّى مُنِعَتْ مِنْ لُحُوقِ الرُّجُوعِ عَنْهَا. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ قَوْلِهِ إذَا مِتَّ فَأَنْتَ حُرٌّ وَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَعْتِقُوهُ بَعْدَ مَوْتِي، فَإِنَّ الْأَوَّلَ اسْتِخْلَافٌ مُوجِبٌ لِثُبُوتِ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ أَعْتِقُوهُ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا فَرْقٌ بِعَيْنِ مَحَلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ إذَا كَانَتْ تَدْبِيرًا كَانَتْ خِلَافَةً تَسْتَدْعِي لُزُومَ الْمُوصَى بِهِ وَعَدَمَ جَوَازِ الرُّجُوعِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَهُ كَأَعْتِقُوا هَذَا الْعَبْدَ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ وَجَازَ بَيْعُهُ، وَهَذَا عَيْنُ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَإِنَّ الْخَصْمَ يَقُولُ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَبِالصِّيغَةِ الْأُخْرَى سَوَاءٌ، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا أَنْ تُبْدِيَ خُصُوصِيَّةً فِي تِلْكَ الْعِبَارَةِ تَقْتَضِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ هُنَا إلَّا كَوْنُ الْعَبْدِ خُوطِبَ بِهِ أَوْ كَوْنُ الْعِتْقِ عُلِّقَ صَرِيحًا بِالْمَوْتِ أَوْ أُضِيفَ، وَكَوْنُ ذَلِكَ فِي الشَّرْعِ يَقْتَضِي مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ اللُّزُومِ، وَعَدَمُ جَوَازِ الرُّجُوعِ مَمْنُوعٌ، فَأُلْحِقَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ إنَّمَا هُوَ بِالسَّمْعِ الْمُتَقَدِّمِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ مُعَارَضَةِ حَدِيثِ جَابِرٍ لَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، ثُمَّ الْمَذْكُورُ بَيَانُ حِكْمَةِ الشَّرْعِ لِذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) لِمَا رَوَيْنَا أَوَّلَ الْبَابِ، وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ وَنَفَاذُهَا مِنْ الثُّلُثِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْهِ لِلْوَرَثَةِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَسْتَغْرِقُ رَقَبَةَ الْمُدَبَّرِ يَسْعَى فِي كُلِّ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَرَثَةِ فَكَيْفَ بِالْوَصِيَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيُرَدُّ قِيمَتُهُ.
(قَوْلُهُ: وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ) فَيَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِ أُمِّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute