وَالْإِيتَارُ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ، وَمَا رَوَاهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ.
(وَغَسْلُهُ بِالْمَاءِ أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا نَزَلَتْ فِي أَقْوَامٍ كَانُوا يُتْبِعُونَ الْحِجَارَةَ الْمَاءَ، ثُمَّ هُوَ
عَلَى الْوَاحِدَةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَرَجٌ فِي تَرْكِ الْإِيتَارِ لَمْ يَكُنْ حَرَجٌ فِي تَرْكِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَنْفِيَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إنَّمَا هُوَ الْإِيتَارُ مِمَّنْ اسْتَنْجَى، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِنَفْيِ إيتَارٍ هُوَ فَوْقَ الْوَاحِدَةِ، فَإِنَّ بِنَفْيِ الْوَاحِدَةِ يَنْتَفِي الِاسْتِنْجَاءُ فَلَا يَصْدُقُ نَفْيُ الْإِيتَارِ مَعَ وُجُودِ الِاسْتِنْجَاءِ فَلَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ إلَّا بِصَرْفِ النَّفْيِ إلَى كُلِّ مَا ذَكَرَ فَيَدْخُلُ فِيهِ أَصْلُ الِاسْتِنْجَاءِ إنْ أَحَبَّ، وَمُجَرَّدُ الْإِيتَارِ فِيهِ، وَالْمَعْنَى: مَنْ فَعَلَ مَا قُلْته كُلَّهُ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ.
وَمَا رَوَاهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ جَازَ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ عَدَدُ الْمَسَحَاتِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدَّرَ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّ غَالِبَ الظَّنِّ يَحْصُلُ عِنْدَهُ كَمَا قَدَّرَهُ فِي حَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ لَا لِتَحَقُّقِ الْمَانِعِ فِي الْمُسْتَيْقِظِ، لَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَ الِاسْتِجْمَارُ خَاصًّا فِي الِاسْتِنْجَاءِ لَكِنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِعْمَالِ الْجَمْرِ فِي الْبَخُورِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ تَجَمَّرَ الْأَكْفَانُ فِي الْجَنَائِزِ وَاسْتَجْمَرَ فُلَانٌ: أَيْ تَبَخَّرَ وَاسْتَجْمَرَ ابْنُ صَبِيحٍ الْكَاتِبُ عِنْدَ الْمَأْمُونِ فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ يَشُمُّ الْبَخُورَ فَأَمَرَ مَنْ يَحْبِسُهُ فَاغْتَمَّ وَكَانَ سَبَبَ مَوْتِهِ فِي مُثُلٍ كَثِيرَةٍ يَطُولُ نَقْلُهَا، فَيَكُونُ لَفْظُ الْحَدِيثِ لِبَيَانِ سُنِّيَّةِ الْإِيتَارِ فِي الْبَخُورِ وَالتَّطَيُّبِ وَإِنْ اُسْتُدِلَّ بِأَنَّ الْحَجَرَ لَا يُزِيلُ، وَلِذَا يُنَجَّسُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ إذَا دَخَلَهُ الْمُسْتَنْجَى بِهِ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَهُ وَيَقُولَ جَازَ اعْتِبَارُ الشَّرْعِ طَهَارَتَهُ بِالْمَسْحِ كَالنَّعْلِ، وَقَدْ أَجْرَوْا الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْأَرْضِ تُصِيبُهَا النَّجَاسَةُ فَتَجِفُّ ثُمَّ تَبْتَلُّ وَالثَّوْبُ يُفْرَكُ مِنْ الْمَنِيِّ ثُمَّ يَبْتَلُّ فِي عِدَّةِ نَظَائِرَ قَدَّمْنَاهَا، وَقِيَاسُهُ أَنْ يَجْرِيَا أَيْضًا فِي السَّبِيلِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ إجْمَاعٌ فِي التَّنَجُّسِ بِدُخُولِ الْمُسْتَنْجَى بِهِ، ثُمَّ الْمُخْتَارُ عِنْدَ كَثِيرٍ فِي تِلْكَ النَّظَائِرِ أَنْ لَا يَعُودَ نَجِسًا، وَقِيَاسُ قَوْلِهِمْ أَنْ لَا يَعُودَ السَّبِيلُ نَجِسًا وَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُنَجِّسَ الْمَاءَ.
وَقَدْ صَرَّحَ بِاخْتِلَافٍ فِي تَنَجُّسِ السَّبِيلِ بِإِصَابَةِ الْمَاءِ، فَعَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ صَرِيحًا، هَذَا وَأَجْمَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ لَا يَنْجَسُ بِالْعَرَقِ حَتَّى لَوْ سَالَ الْعَرَقُ مِنْهُ وَأَصَابَ الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا يَمْنَعُ، وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الشَّارِعِ طَهَارَتَهُ بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ ﷺ نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى بِرَوْثٍ أَوْ عَظْمٍ، وَقَالَ: إنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ» وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، فَعُلِمَ أَنَّ مَا أُطْلِقَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ يُطَهِّرُ إذْ لَوْ لَمْ يُطَهِّرْ لَمْ يُطْلَقْ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ بِحُكْمِ هَذِهِ الْعِلَّةِ.
(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ) لَا يُطَابِقُ الْمَدْلُولَ وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ أَفْضَلُ مَا ذَكَرَ، بَلْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْجَمْعَ أَفْضَلُ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَفْضَلِيَّةَ الْمَاءِ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ هُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ إلَّا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى عَنْهُ إلَّا ابْنُهُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ فَقَالَ: هُمْ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعِمْرَانُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُمْ ضُعَفَاءُ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ لَهُمْ حَدِيثٌ مُسْتَقِيمٌ، وَاَلَّذِي يُطَابِقُ الْمَدْلُولَ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَيُّوبَ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ لَمَّا نَزَلَتْ ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ قَالَ «ﷺ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ، فَمَا طُهُورُكُمْ؟ قَالُوا: نَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَنَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَنَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ، قَالَ: هُوَ ذَاكُمْ فَعَلَيْكُمُوهُ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute