للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ أَوْ سَخَطُ اللَّهِ فَلَيْسَ بِحَلِفٍ) لِأَنَّهُ دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ (وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا زَانٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكُلُ رِبًا)؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَحْتَمِلُ النَّسْخَ وَالتَّبْدِيلَ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى حُرْمَةِ الِاسْمِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ.

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَمِينٌ فِيهِ الْكَفَّارَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ غَمُوسًا لَا يَكْفُرُ، وَإِنْ كَانَ فِي اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِهِ يَكْفُرُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْكُفْرِ حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي عَلَّقَ عَلَيْهِ كُفْرَهُ، وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَكْفُرُ إذَا فَعَلَهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ» فَهَذَا يَتَرَاءَى أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَعْتَقِدَهُ يَمِينًا أَوْ كُفْرًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ مِمَّنْ يَحْلِفُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَيْمَانِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ لَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْخَيْرِ، وَهَؤُلَاءِ لَا يَعْرِفُونَ إلَّا لُزُومَ الْكُفْرِ عَلَى تَقْدِيرِ الْحِنْثِ، فَإِنْ تَمَّ هَذَا، وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ شَاهِدٌ لِمَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِكُفْرِهِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ أَوْ سَخَطُهُ فَلَيْسَ بِحَالِفٍ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ) أَيْ لَا يَلْزَمُ سَبَبِيَّةُ الشَّرْطِ لَهُ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ نَفْسُ الدُّعَاءِ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ عِنْدَ الشَّرْطِ دَعَا عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَ الْمَدْعُوِّ بَلْ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِجَابَةِ دُعَائِهِ (وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَكَذَا إنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ زَانٍ أَوْ فَاسِقٌ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرًا أَوْ آكِلُ رِبًا) لَا يَكُونُ يَمِينًا أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ أَنْ يُعَلِّقَ مَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ عَنْ الْفِعْلِ بِسَبَبِ لُزُومِ وُجُودِهِ عِنْدَ الْفِعْلِ، وَلَيْسَ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الْفِعْلِ يَصِيرُ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ كَذَلِكَ إلَّا بِفِعْلٍ مُسْتَأْنَفٍ يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ، وَوُجُودُ هَذَا الْفِعْلِ لَيْسَ لَازِمًا؛ لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ مُوجِبًا امْتِنَاعَهُ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا، بِخِلَافِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ بِالرِّضَا بِهِ يَكْفُرُ عَنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى عَمَلٍ آخَرَ أَوْ اعْتِقَادٍ، وَالرِّضَا يَتَحَقَّقُ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فَيُوجِبُ عِنْدَهُ الْكُفْرَ لَوْلَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالْكَفَّارَةِ.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَحْتَمِلُ النَّسْخَ وَالتَّبْدِيلَ. أَمَّا الْخَمْرُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا السَّرِقَةُ فَعِنْدَ الِاضْطِرَارِ إلَى أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ، وَكَذَا إذَا أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ بِالسَّيْفِ عَلَى الزِّنَا وَحُرْمَةُ الِاسْمِ لَا تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فَلَمْ تَكُنْ حُرْمَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي مَعْنَى حُرْمَةِ الِاسْمِ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْحُرْمَةِ تَحْتَمِلُ الِارْتِفَاعَ أَوْ لَا تَحْتَمِلُهُ لَا أَثَرَ لَهُ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ يَرْجِعُ إلَى تَحْرِيمِ الْمُبَاحِ فَهُوَ يَمِينٌ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْمُبَاحَ يُحْتَمَلُ تَحْرِيمُهُ لِلِارْتِفَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَلَا مَعْنَى لِزِيَادَةِ كَلَامٍ لَا دَخْلَ لَهُ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ أَنْ يُقَالَ إنْ فَعَلْت فَأَنَا زَانٍ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>