لِقَوْلِهِ ﷺ «مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى».
(وَإِنْ عَلَّقَ النَّذْرَ بِشَرْطٍ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَفْسِ النَّذْرِ) لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ،
رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَأَدَّاهَا فِي أَقَلَّ شَرَفًا مِنْهُ أَوْ فِيمَا لَا شَرَفَ لَهُ أَجُزْأَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ. وَأَفْضَلُ الْأَمَاكِنِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، ثُمَّ مَسْجِدُ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ الْجَامِعُ، ثُمَّ مَسْجِدُ الْحَيِّ، ثُمَّ الْبَيْتُ لَهُ أَنَّهُ نَذَرَ بِزِيَادَةِ قُرْبَةٍ فَيَلْزَمُ.
قُلْنَا: عُرِفَ مِنْ الشَّرْعِ أَنَّ الْتِزَامَهُ مَا هُوَ قُرْبَةٌ مُوجِبٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ مِنْ الشَّرْعِ اعْتِبَارُ تَخْصِيصِ الْعَبْدِ الْعِبَادَةَ بِمَكَانٍ، بَلْ إنَّمَا عُرِفَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَتَعَدَّى لُزُومُ أَصْلِ الْقُرْبَةِ بِالْتِزَامِهِ إلَى لُزُومِ التَّخْصِيصِ بِمَكَانٍ فَكَانَ مُلْغًى وَبَقِيَ لَازِمًا بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ.
فَإِنْ قُلْت: مِنْ شُرُوطِ النَّذْرِ كَوْنُهُ بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَكَيْفَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا نَذَرَ رَكْعَتَيْنِ بِلَا وُضُوءٍ يَصِحُّ نَذْرُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. فَالْجَوَابُ أَنَّ مُحَمَّدًا أَهْدَرَهُ لِذَلِكَ. وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَإِنَّمَا صَحَّحَهُ بِوُضُوءٍ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْمَشْرُوطِ الْتِزَامُ الشَّرْطِ. فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ لَغْوٌ لَا يُؤَثِّرُ، وَنَظِيرُهُ إذَا نَذَرَهُمَا بِلَا قِرَاءَةٍ أَلْزَمْنَاهُ رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ، أَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً وَاحِدَةً أَلْزَمْنَاهُ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَلْزَمْنَاهُ بِأَرْبَعٍ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَصِحُّ النَّذْرُ فِي الْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِلَا قِرَاءَةٍ وَالرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ غَيْرُ قُرْبَةٍ.
وَفِي الثَّالِثَةِ وَهِيَ مَا إذَا نَذَرَ بِثَلَاثٍ يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ رَكْعَةً بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ فَصَارَ كَمَا إذَا الْتَزَمَهَا مُفْرَدَةً عَلَى قَوْلِهِ. وَلَنَا مَعْنَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ أَنَّ الِالْتِزَامَ بِشَيْءٍ الْتِزَامٌ بِمَا لَا صِحَّةَ إلَّا بِهِ، وَلَا صِحَّةَ لِلصَّلَاةِ بِلَا قِرَاءَةٍ، وَلَا لِلرَّكْعَةِ إلَّا بِضَمِّ الثَّانِيَةِ، فَكَانَ مُلْتَزِمًا الْقِرَاءَةَ وَالثَّانِيَةَ. وَاحْتَاجَ مُحَمَّدٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْتِزَامِ الصَّلَاةِ بِلَا وُضُوءٍ حَيْثُ أَبْطَلَهُ وَالْتِزَامِهَا بِلَا قِرَاءَةٍ حَيْثُ أَجَازَهُ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّلَاةَ بِلَا طَهَارَةٍ لَيْسَتْ عِبَادَةً أَصْلًا، وَبِلَا قِرَاءَةٍ تَكُونُ عِبَادَةً كَصَلَاةِ الْأُمِّيِّ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ وَإِنْ كَانَتْ تَقَدَّمَتْ مُتَفَرِّقَةً إلَّا أَنَّ هَذَا الْمَكَانَ مَحَلُّهَا بِالْأَصَالَةِ فَلَمْ أَرَ إخْلَاءً مِنْهَا نَصِيحَةً لِدِينِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ ﷺ «مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى») وَهَذَا دَلِيلُ لُزُومِ الْوَفَاءِ بِالْمَنْذُورِ وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ إلَّا أَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، فَفِي لُزُومِ الْمَنْذُورِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، قَالَ تَعَالَى ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ بِأَنَّ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ لِلْآيَةِ، وَتَقَدَّمَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهَا تُوجِبُ الِافْتِرَاضَ لِلْقَطْعِيَّةِ.
وَالْجَوَابُ بِأَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ إذْ خُصَّ مِنْهَا النَّذْرُ بِالْمَعْصِيَةِ وَمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ فَلَمْ تَكُنْ قَطْعِيَّةَ الدَّلَالَةِ. وَمِنْ السُّنَّةِ كَثِيرٌ مِنْهَا حَدِيثٌ فِي الْبُخَارِيِّ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» رَوَتْهُ عَائِشَةُ ﵂، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الْإِيفَاءِ بِهِ، وَبِهِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِافْتِرَاضِ الْإِيفَاءِ بِالنَّذْرِ.
[فُرُوعٌ]
إذَا نَذَرَ شَهْرًا فَإِمَّا بِعَيْنِهِ كَرَجَبٍ وَجَبَ التَّتَابُعُ، لَكِنْ لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ كَرَمَضَانَ لَوْ أَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَضَاؤُهُ، كَذَا هَذَا، وَإِنْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ كَشَهْرٍ إنْ شَاءَ تَابَعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَهُ، وَإِنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ لَزِمَهُ، وَلَوْ الْتَزَمَ بِالنَّذْرِ أَكْثَرَ مِمَّا يَمْلِكُهُ لَزِمَهُ مَا يَمْلِكُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: إذَا أَضَافَ النَّذْرَ إلَى سَائِرِ الْمَعَاصِي كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَ فُلَانًا كَانَ يَمِينًا وَلَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ، وَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُطْعِمَ الْمَسَاكِينَ يَقَعُ عَلَى عَشَرَةٍ. عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِلَّهِ عَلَيَّ طَعَامُ مِسْكِينٍ لَزِمَهُ نِصْفُ صَاعٍ حِنْطَةً اسْتِحْسَانًا، لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذِهِ الرَّقَبَةَ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهَا، فَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهَا أَثِمَ وَلَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي. قَالَ إنْ بَرِئْت مِنْ مَرَضِي فَعَلَيَّ شَاةٌ أَذْبَحُهَا أَوْ ذَبَحْت شَاةً لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَلَوْ قَالَ أَذْبَحُهَا وَأَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا لَزِمَهُ. قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ جَزُورًا فَأَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ فَذَبَحَ مَكَانَهُ سَبْعَ شِيَاهٍ جَازَ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ عَلَّقَ النَّذْرَ بِشَرْطٍ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَفْسِ النَّذْرِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ) الَّذِي رَوَيْنَاهُ