قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِيَمِينِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ ﷺ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ» إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاتِّصَالِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ رُجُوعٌ وَلَا رُجُوعَ فِي الْيَمِينِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
فَلَمَّا انْتَهَيْت إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ قِفْ. فَإِنَّ مِنْ رَأْيِي أَنْ أَرْجِعَ، فَلَمَّا رَجَعْت مِنْ الْحَجِّ إذَا أَبُو حَنِيفَةَ قَدْ تُوُفِّيَ، فَأَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ أَبَانَ أَنَّهُ رَجَعَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ يَتَخَيَّرُ، وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ.
وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ: مَشَايِخُ بَلْخٍ وَبُخَارَى يُفْتُونَ بِهَذَا وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ. قَالَ: لِكَثْرَةِ الْبَلْوَى فِي هَذَا الزَّمَانِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ النُّصُوصَ مِنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْأَحَادِيثِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْهُ ﷺ قَالَ «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَسْقُطَ بِالْكَفَّارَةِ مُطْلَقًا فَيَتَعَارَضُ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ الْإِيفَاءِ بِعَيْنِهِ عَلَى الْمُنَجَّزِ. وَمُقْتَضَى سُقُوطِهِ بِالْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُعَلَّقِ. وَلَا يُشْكِلُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ مُنْتَفٍ فِي الْحَالِ فَالنَّذْرُ فِيهِ مَعْدُومٌ فَيَصِيرُ كَالْيَمِينِ فِي أَنَّ سَبَبَ الْإِيجَابِ وَهُوَ الْحِنْثُ مُنْتَفٍ حَالَ التَّكَلُّمِ فَيُلْحَقُ بِهِ. بِخِلَافِ النَّذْرِ الْمُنَجَّزِ لِأَنَّهُ نَذْرٌ ثَابِتٌ فِي وَقْتِهِ فَيُعْمَلُ فِيهِ حَدِيثُ الْإِيفَاءِ.
وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ الَّذِي تُجْزِئُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ الشَّرْطُ الَّذِي لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ مِثْلَ دُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ فُلَانٍ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُرِدْ كَوْنَهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ كَوْنَ الْمَنْذُورِ حَيْثُ جَعَلَهُ مَانِعًا مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ الشَّرْطِ لِأَنَّ تَعْلِيقَ النَّذْرِ عَلَى مَا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ بِالضَّرُورَةِ يَكُونُ لِمَنْعِ نَفْسِهِ عَنْهُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُرِيدُ إيجَابَ الْعِبَادَاتِ دَائِمًا وَإِنْ كَانَتْ مَجْلَبَةً لِلثَّوَابِ مَخَافَةَ أَنْ يُثْقَلَ فَيَتَعَرَّضَ لِلْعِقَابِ، وَلِهَذَا صَحَّ عَنْهُ ﷺ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ» الْحَدِيثَ، وَأَمَّا الشَّرْطُ الَّذِي يُرِيدُ كَوْنَهُ مِثْلَ قَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ مَاتَ عَدُوِّي فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ فَوُجِدَ الشَّرْطُ لَا يُجْزِيهِ إلَّا فِعْلُ عَيْنِ الْمَنْذُورِ.
لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ كَوْنَهُ كَانَ مُرِيدًا كَوْنَ النَّذْرِ فَكَانَ النَّذْرُ فِي مَعْنَى الْمُنَجَّزِ فَيَنْدَرِجُ فِي حُكْمِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْإِيفَاءِ بِهِ فَصَارَ مَحْمَلُ مَا يَقْتَضِي الْإِيفَاءَ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ الْمُرَادِ كَوْنُهُ، وَمَحْمَلُ مَا يُقْتَضَى إجْزَاءَ الْكَفَّارَةِ الْمُعَلَّقِ الَّذِي لَا يُرَادُ كَوْنُهُ وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ نَذْرُ اللَّجَاجِ. وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ فِيهِ كَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَاَسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِلِاكْتِفَاءِ فِي خُصُوصِ هَذَا النَّذْرِ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ مَعَ أَنَّهُ مُطْلَقٌ، وَلَيْسَ هَذَا إلَّا لِمَا قُلْنَا، وَهَذَا التَّقْرِيرُ أَوْلَى مِمَّا قِيلَ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا لَمْ يُرَدْ كَوْنُهُ كَانَ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ فَإِنَّهَا تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ فَأَجْزَأَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ. بِخِلَافِ الَّذِي يُرِيدُ كَوْنَهُ فَإِنَّهُ وَرَدَ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الْيَمِينَ كَمَا يَكُونُ لِلْمَنْعِ يَكُونُ لِلْحَمْلِ فَلَا يَخْتَصُّ مَعْنَاهَا بِمَا لَا يُرَادُ كَوْنُهُ فَالْفَرْقُ عَلَى هَذَا تَحَكُّمٌ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ) أَيْ عَلَى مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ (فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِيَمِينِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) وَكَذَا إذَا نَذَرَ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ قَالَ مُحَمَّدٌ: بَلَغَنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute