وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَنْزِلٍ آخَرَ بِلَا تَأْخِيرٍ حَتَّى يَبَرَّ، فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى السِّكَّةِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ قَالُوا لَا يَبَرُّ، دَلِيلُهُ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ بِعِيَالِهِ مِنْ مِصْرِهِ فَمَا لَمْ يَتَّخِذْ وَطَنًا آخَرَ يَبْقَى وَطَنُهُ الْأَوَّلُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ كَذَا هَذَا. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَدَارَ هُنَا لَيْسَ عَلَى نَقْلِ الْكُلِّ لِيَقُومَ الْأَكْثَرُ مَقَامَهُ بَلْ عَلَى الْعُرْفِ فِي أَنَّهُ سَاكِنٌ أَوْ لَا. وَالْحَقُّ أَنَّ مَنْ خَرَجَ عَلَى نِيَّةِ تَرْكِ الْمَكَانِ وَعَدَمِ الْعَوْدِ إلَيْهِ وَنَقَلَ مِنْ أَمْتِعَتِهِ فِيهِ مَا يَقُومُ بِهِ أَمْرُ سُكْنَاهُ وَهُوَ عَلَى نِيَّةِ قَفْلِ الْبَاقِي يُقَالُ لَيْسَ سَاكِنًا فِي هَذَا الْمَكَانِ بَلْ انْتَقَلَ عَنْهُ وَسَكَنَ فِي الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي نَقْلِ الْأَمْتِعَةِ أَمَّا الْأَهْلُ فَلَا بُدَّ فِي الْبِرِّ مِنْ نَقْلِهِمْ كُلِّهِمْ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَنْزِلٍ آخَرَ حَتَّى يَبَرَّ) بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ إلَى السِّكَّةِ أَوْ الْمَسْجِدِ لَمْ يَبَرَّ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا قِيلَ يَحْنَثُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ نَقْلُ الْمُصَنِّفِ اسْتِدْلَالًا بِمَا فِي الزِّيَادَاتِ.
كُوفِيٌّ نَقَلَ عِيَالَهُ إلَى مَكَّةَ لِيَتَوَطَّنَ فَلَمَّا تَوَطَّنَ بِمَكَّةَ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى خُرَاسَانَ فَمَرَّ بِالْكُوفَةِ يُصَلِّي بِهَا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ انْتَقَضَ بِوَطَنِهِ بِمَكَّةَ، وَإِنْ بَدَا لَهُ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ إلَى مَكَّةَ صَلَّى بِالْكُوفَةِ مَارًّا عَلَيْهَا أَرْبَعًا لِأَنَّ وَطَنَهُ الْأَوَّلَ بِالْكُوفَةِ قَائِمٌ مَا لَمْ يَتَّخِذْ وَطَنًا آخَرَ، فَكَذَا هُنَا يَبْقَى وَطَنُهُ الْأَوَّلُ مَا لَمْ يَتَّخِذْ وَطَنًا آخَرَ. وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ سَاكِنًا.
وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: إنْ سَلَّمَ دَارِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ رَدَّ الْمُسْتَأْجَرَةَ إلَى الْمُؤَاجِرِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْ دَارًا أُخْرَى، وَإِطْلَاقُ عَدَمِ الْحِنْثِ أَوْجَهُ، وَكَوْنُ وَطَنِهِ بَاقِيًا فِي حَقِّ إتْمَامِ الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَسْتَوْطِنْ غَيْرَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ تَسْمِيَتَهُ سَاكِنًا عُرْفًا بِذَلِكَ الْمَكَانِ بَلْ يُقْطَعُ مِنْ الْعُرْفِ فِيمَنْ نَقَلَ أَهْلَهُ وَأَمْتِعَتَهُ وَخَرَجَ مُسَافِرًا أَنْ لَا يُقَالَ فِيهِ إنَّهُ سَاكِنٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ بَلْ يُقَالُ فِيهِ حَالَ السَّفَرِ انْتَقَلَ عَنْ سُكْنَى هَذَا الْمَكَانِ وَهُوَ قَاصِدٌ سُكْنَى كَذَا. وَإِذَا لَمْ يَتَحَرَّرْ لَهُ قَصْدُ مَكَان مُعَيَّنٍ قِيلَ هُوَ الْآنَ غَيْرُ سَاكِنٍ فِي مَكَان حَتَّى يُنْظَرَ أَيْنَ يَسْكُنُ، وَإِذَا ثَبَتَ نَفْيُ تِلْكَ السُّكْنَى ثَبَتَ الْبِرُّ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute