للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَسَرَّى جَارِيَةً كَانَتْ فِي مِلْكِهِ عَتَقَتْ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ فِي حَقِّهَا لِمُصَادَفَتِهَا الْمِلْكَ وَهَذَا لِأَنَّ الْجَارِيَةَ مُنَكَّرَةٌ فِي هَذَا الشَّرْطِ فَتَتَنَاوَلُ كُلَّ جَارِيَةٍ عَلَى الِانْفِرَادِ (وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا لَمْ تُعْتَقْ) خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: التَّسَرِّي لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرَ الْمِلْكِ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ يَصِيرُ التَّزَوُّجُ مَذْكُورًا

لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، وَإِنْ اُعْتُبِرَ التَّسَرُّرُ قِيلَ تَسَرَّرَ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقَالَ أَلَّا تُسِرِّي فِي الْمَصْدَرَيْنِ لِأَنَّهُ اتِّخَاذُ السُّرِّيَّةِ، لَكِنْ لُوحِظَ فِيهِ أَصْلُ السُّرِّيَّةِ وَهُوَ السُّرُورُ أَوْ السِّرُّ فَاسْتُعْمِلَ بِرَاءَيْنِ بِإِبْدَالِ الْيَاءِ رَاءً، وَخُصَّتْ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ، وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ عَنْ عَائِشَةَ وَسُئِلَتْ عَنْ الْمُتْعَةِ فَقَالَتْ " لَا نَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا النِّكَاحَ وَالِاسْتِسْرَارَ " وَالْقِيَاسُ الِاسْتِسْرَاءُ بِهَمْزَةٍ هِيَ بَدَلُ الْيَاءِ الْوَاقِعَةِ طَرَفًا بَعْدَ أَلْفٍ سَاكِنَةٍ كَهَمْزَةِ كِسَاءٍ، وَمَعْنَى التَّسَرِّي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنْ يُحْصِنَ أَمَتَهُ وَيَعُدُّهَا لِلْجِمَاعِ أَفْضَى إلَيْهِ بِمَائِهِ أَوْ عَزَلَ عَنْهَا.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ لَا يَعْزِلَ مَاءَهُ مَعَ ذَلِكَ، فَعُرِفَ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَمَةً لَهُ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّحْصِينِ وَالْإِعْدَادِ لَا يَكُونُ تَسَرِّيًا وَإِنْ لَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا وَإِنْ عَلِقَتْ مِنْهُ.

لَنَا أَنَّ مَادَّةَ اشْتِقَاقِهِ سَوَاءٌ اُعْتُبِرَتْ مِنْ السُّرُورِ أَوْ مَا يَرْجِعُ إلَى الْجِمَاعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَا تَقْتَضِي الْإِنْزَالَ فِيهَا لِأَنَّ الْجِمَاعَ وَالسُّرُورَ وَالسِّيَادَةَ كُلٌّ مِنْهَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُ، فَأَخَذَهُ فِي الْمَفْهُومِ وَاعْتِبَارُهُ بِلَا دَلِيلٍ، وَكَوْنُ الْعُرْفِ فِي التَّسَرِّي تَحْصِينُهَا لِطَلَبِ الْوَلَدِ دَائِمًا مَمْنُوعٌ بَلْ الْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ فِي الْمُشَاهَدِ؛ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقْصِدُ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْصِدُ مُجَرَّدَ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَلِدَ لَهُ إذَا عُرِفَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَتَسَرَّى فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَحَصَّنَهَا وَوَطِئَهَا حَنِثَ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

وَلَوْ قَالَ إنْ تُسُرِّيت جَارِيَةً فَعَبْدِي حُرٌّ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا عَتَقَ الْعَبْدُ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ عَبْدٌ فَمَلَك عَبْدًا ثُمَّ اشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا لَا يُعْتَقُ هَذَا الْعَبْدُ الْمُسْتَحْدَثُ. وَلَوْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَتَسَرَّى جَارِيَةً كَانَتْ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ عَتَقَتْ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَهِيَ إجْمَاعِيَّةٌ.

وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَعْدَ الْحَلِفِ فَتَسَرَّاهَا لَا تُعْتَقُ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ . وَقَالَ زُفَرُ: تُعْتَقُ لِأَنَّ التَّسَرِّي لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرُ الْمِلْكِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ مَلَكْت أَمَةً فَتَسَرَّيْتهَا فَهِيَ حُرَّةٌ، وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ يَصِيرُ التَّزَوُّجُ مَذْكُورًا، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا عَتَقَ الْعَبْدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>