(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ أَوْ لَا يَذْبَحُ شَاتَه فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْمَالِكَ لَهُ وِلَايَةُ ضَرْبِ عَبْدِهِ وَذَبْحِ شَاتِه فَيَمْلِكُ تَوْلِيَتَهُ غَيْرَهُ ثُمَّ مَنْفَعَتَهُ رَاجِعَةً إلَى الْآمِرِ فَيَجْعَلُ هُوَ مُبَاشِرًا إذْ لَا حُقُوقَ لَهُ تَرْجِعُ إلَى الْمَأْمُورِ (وَلَوْ قَالَ عَنَيْت أَنْ لَا أَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِي دِينَ فِي الْقَضَاءِ) بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ إلَّا تَكَلُّمًا بِكَلَامٍ يُفْضِي إلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ مِثْلُ التَّكَلُّمِ بِهِ وَاللَّفْظُ يَنْتَظِمُهُمَا، فَإِذَا نَوَى التَّكَلُّمَ بِهِ فَقَدْ نَوَى الْخُصُوصَ فِي الْعَامِّ فَيَدِينُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، أَمَّا الذَّبْحُ وَالضَّرْبُ فَفِعْلٌ حِسِّيٌّ يُعْرَفُ بِأَثَرِهِ، وَالنِّسْبَةُ إلَى الْآمِرِ بِالتَّسْبِيبِ مَجَازٌ، فَإِذَا نَوَى الْفِعْلَ بِنَفْسِهِ فَقَدْ نَوَى الْحَقِيقَةَ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً
بَانَتْ حَنِثَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ طَلَاقٌ مُؤَجَّلٌ فَعِنْدَ مُضِيِّهَا يَقَعُ مُضَافًا إلَى الزَّوْجِ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا وَقَعَ حُكْمًا دَفْعًا لِضَرَرِهَا فَلَا يَكُونُ شَرْطُ الْحِنْثِ مَوْجُودًا.
وَلَوْ كَانَ عِنِّينًا فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْمُدَّةِ لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ زُفَرَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَلَوْ زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ فَأَجَازَ بِالْقَوْلِ حَنِثَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَحْنَثُ. وَفِي الْإِجَازَةِ بِالْفِعْلِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْمُجِيزِ بِالْفِعْلِ عَاقِدًا لَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ التَّوْكِيلِ بَعْدَ الْيَمِينِ أَوْ قَبْلَهُ. وَلَوْ وَكَّلَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقَ ثُمَّ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ وَلَا يَعْتِقُ ثُمَّ طَلَّقَ الْوَكِيلُ أَوْ أَعْتَقَ يَحْنَثُ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْوَكِيلِ هُنَا مَنْقُولَةٌ إلَيْهِ
(قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ أَوْ لَا يَذْبَحُ شَاتَه فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ حَنِثَ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَهُ وِلَايَةُ ضَرْبِ عَبْدِهِ وَذَبْحِ شَاتِه فَيَمْلِكُ تَوْلِيَتَهُ غَيْرَهُ) فَلِمِلْكِهِ إيَّاهُ انْتَقَلَ فِعْلُ الضَّرْبِ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْأَمْرِ بِهِ (ثُمَّ مَنْفَعَتُهُ رَاجِعَةٌ إلَى الْآمِرِ) عَلَى الْخُصُوصِ وَهُوَ مَا يَحْصُلُ مِنْ أَدَبِهِ وَانْزِجَارِهِ فَيُجْعَلُ مُبَاشِرًا إذْ لَا حُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْمَأْمُورِ وَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي ضَرْبِ عَبْدِهِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ حُرًّا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْأَمْرِ بِهِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ سُلْطَانًا أَوْ قَاضِيًا لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ ضَرْبَ الْأَحْرَارِ حَدًّا وَتَعْزِيرًا فَمَلَكَا الْأَمْرَ بِهِ (وَلَوْ قَالَ عَنَيْت أَنْ لَا أَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِي دِينَ فِي الْقَضَاءِ)، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ إلَّا تَكَلُّمًا بِكَلَامٍ شَرْعِيٍّ يُوجِبُ أَثَرًا شَرْعِيًّا فِي الْمَحَلِّ وَهُوَ الْفُرْقَةُ (وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ مِثْلُ التَّكَلُّمِ بِهِ) لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ كَالرَّسُولِ بِهِ وَلِسَانُ الرَّسُولِ كَلِسَانِ الْمُرْسِلِ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِذَا نَوَى التَّكَلُّمَ بِهِ خَاصَّةً فَقَدْ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ دَاخِلٍ تَحْتَ وِلَايَةِ الْمُرْسِلِ مَعَ فَرْضِ أَنَّ مُقْتَضَيَاتِهِ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ وَهِيَ الْحُقُوقُ، وَحَقِيقَةُ الْمُرَادِ أَنَّ الطَّلَاقَ وَمَا مَعَهُ لَمَّا كَانَ لَفْظًا يَثْبُتُ عِنْدَهُ أَثَرٌ شَرْعِيٌّ فَالْحَلِفُ عَلَى تَرْكِهِ حَلِفٌ عَلَى أَنْ لَا تُوجَدَ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَتَحَقَّقَ بِمُبَاشَرَتِهِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ فَنِيَّةُ أَحَدِهِمَا خِلَافُ الظَّاهِرِ (أَمَّا الذَّبْحُ وَالضَّرْبُ فَفِعْلٌ حِسِّيٌّ) لَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُ أَثَرِهِ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ الضَّرْبَ يَثْبُتُ مَعَ أَثَرِهِ مِنْ الْفَاعِلِ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ، فَنِسْبَةُ الْفِعْلِ إلَى الْآمِرِ مَجَازِيَّةٌ بِاعْتِبَارِ تَسَبُّبِهِ فِيهِ، فَإِذَا نَوَى أَنْ لَا يَفْعَلَهُ بِنَفْسِهِ فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، بِخِلَافِ الْكَلَامِ الْمَجْعُولِ أَسْبَابًا شَرْعِيَّةً لِآثَارٍ شَرْعِيَّةٍ لَا تَثْبُتُ تِلْكَ الْآثَارُ إلَّا بِإِذْنٍ عَنْ وِلَايَةٍ، فَلَمَّا كَانَ لِلْإِذْنِ فِيهَا أَثَرٌ نَقَلَهَا إلَى الْحَالِفِ، قَالُوا: وَثُبُوتُ تَصْدِيقِهِ قَضَاءٌ فِي ضَرْبِ الْعَبْدِ رِوَايَةٌ فِي تَصْدِيقِهِ بِ قَضَاءٌ فِي الطَّلَاقِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ الْمُبَاشَرَةُ فِيهِمَا فَيُصَدَّقُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute