كَوَطْءِ جَارِيَةِ الِابْنِ فَيَسْتَقْصِي فِي ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِلدَّرْءِ (فَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَسَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُمْ فَعُدِّلُوا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ) وَلَمْ يَكْتَفِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ فِي الْحُدُودِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، «قَالَ ﵊ ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَتَعْدِيلُ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ نُبَيِّنُهُ فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ فِي الْأَصْلِ: يَحْبِسُهُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ لِلِاتِّهَامِ بِالْجِنَايَةِ
بِغَيْرِ صِفَتِهِ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ، وَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فُسَّاقٌ بِالزِّنَا لَا يُقْضَى بِشَهَادَتِهِمْ وَلَا يُحَدُّونَ؛ لِأَنَّهُمْ بَاقُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يُقْبَلُونَ. وَعَلَى هَذَا لَوْ أَقَامَ الْقَاذِفُ أَرْبَعَةً مِنْ الْفُسَّاقِ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِهِ يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ عِنْدَنَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ وَأَبَى الرَّابِعُ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الزِّنَا قَذْفٌ، لَكِنْ عِنْدَ تَمَامِ الْحُجَّةِ يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا، فَلَمَّا لَمْ يَتِمَّ بِامْتِنَاعِهِ بَقِيَ كَلَامُ الثَّلَاثَةِ قَذْفًا فَيُحَدُّونَ، وَلَوْ شَهِدُوا فَسَأَلَهُمْ فَبَيَّنَ ثَلَاثَةٌ وَلَمْ يَزِدْ وَاحِدٌ عَلَى الزِّنَا لَا يُحَدُّ، وَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ الرَّابِعَ لَوْ قَالَ: إنَّهُ زَانٍ فَسُئِلَ عَنْ صِفَتِهِ فَلَمْ يَصِفْهُ أَنَّهُ يُحَدُّ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ لِلْقَاضِي فِي مَجْلِسٍ غَيْرِ الْمَجْلِسِ الَّذِي شَهِدَ فِيهِ الثَّلَاثَةُ
(قَوْلُهُ وَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ) وَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْحَاءِ، وَهُوَ حَاصِلُ جَوَابِ السُّؤَالِ عَنْ كَيْفِيَّةِ الزِّنَا فِي الْحَقِيقَةِ، وَسَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُمْ فَعُدِّلُوا فِي السِّرِّ، بِأَنْ يَبْعَثَ وَرَقَةً فِيهَا أَسْمَاؤُهُمْ وَأَسْمَاءُ مَحَلَّتِهِمْ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَيَّزُ كُلٌّ مِنْهُمْ لِمَنْ يَعْرِفُهُ فَيَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ هُوَ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ، وَالْعَلَانِيَةُ بِأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ فَيَقُولَ هَذَا هُوَ الَّذِي عَدَّلْته حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمْ وَهُوَ الْحُكْمُ بِوُجُوبِ حَدِّهِ، وَهَذَا مَا وَعَدَ الْمُصَنِّفُ بَيَانَهُ فِي الشَّهَادَاتِ، وَبَقِيَ شَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَنَقَلَ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِحُرْمَةِ الزِّنَا إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُسْلِمًا لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ فِسْقٌ كَمَا اكْتَفَى بِهَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَمْوَالِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ. وَلَمَّا كَانَ لُزُومُ هَذَا عَلَى الْحَاكِمِ مَوْقُوفًا عَلَى ثُبُوتِ إيجَابِ الدَّرْءِ مَا أَمْكَنَ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ ﷺ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ»، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ عَنْهُ ﵊ قَالَ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهَا مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ وَيَزِيدُ ضَعِيفٌ. وَأَسْنَدَ فِي عِلَلِهِ عَنْ الْبُخَارِيِّ يَزِيدُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ذَاهِبٌ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ بِهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْمَوْقُوفُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ وَهُوَ دَرْءُ الْحَدِّ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَهُوَ أَقْوَى، وَكَانَ ذِكْرُ هَذِهِ ذِكْرًا لِمُسْتَنِدِ الْإِجْمَاعِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ عَدَالَةَ الشُّهُودِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ يُغْنِيهِ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْحَاصِلِ لَهُ مِنْ تَعْدِيلِ الْمُزَكَّى، وَلَوْلَا مَا ثَبَتَ مِنْ إهْدَارِ الشَّرْعِ عِلْمُهُ بِالزِّنَا فِي إقَامَةِ الْحَدِّ بِالسَّمْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَكَانَ يَحُدُّهُ بِعِلْمِهِ، لَكِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ هُنَاكَ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَعْدِيلِ الشُّهُودِ إهْدَارُ عِلْمِهِ بِعَدَالَتِهِمْ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ) أَيْ قَالَ إذَا وَصَفَ الشُّهُودُ الْأَشْيَاءَ الْمَذْكُورَةَ يَحْبِسُ الْقَاضِي الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute