وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدُّخُولِ إيلَاجٌ فِي الْقُبُلِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْغُسْلَ.
بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ارْفَعْ يَدَك، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالَ: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ، فَأَمَرَ بِهِمَا النَّبِيُّ ﷺ فَرُجِمَا»
وَاَلَّذِي وَضَعَ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَّا. وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ إنَّمَا رَجَمَهُمَا بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ، فَإِنَّهُ سَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ أَوَّلًا، وَأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ عِنْدَمَا قَدِمَ ﵊ الْمَدِينَةَ ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةُ حَدِّ الزِّنَا وَلَيْسَ فِيهَا اشْتِرَاطُ الْإِسْلَامِ فِي الرَّجْمِ، ثُمَّ نَزَلَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ بِالرَّجْمِ بِاشْتِرَاطِهِ لِلْإِحْصَانِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَتْلُوٍّ، وَعُلِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» فَقَالَ إِسْحَاقُ رَفَعَهُ مَرَّةً فَقَالَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَوَقَّفَهُ مَرَّةً. وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَيُقَالُ إنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَلَفْظُ إِسْحَاقَ كَمَا تَرَاهُ لَيْسَ فِيهِ رُجُوعٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ عَنْ الرَّاوِي أَنَّهُ مَرَّةً رَفَعَهُ وَمَرَّةً أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْفَتْوَى فَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مِثْلَهُ بَعْدَ صِحَّةِ الطَّرِيقِ إلَيْهِ مَحْكُومٌ بِرَفْعِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ الرَّفْعُ وَالْوَقْفُ حُكِمَ بِالرَّفْعِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إذَا خُرِّجَ مِنْ طُرُقٍ فِيهَا ضَعْفٌ لَمْ يَضُرَّ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ ﷺ «لَا يُحْصِنُ الْمُسْلِمَ الْيَهُودِيَّةُ وَلَا النَّصْرَانِيَّةُ وَلَا الْحُرَّ الْأَمَةُ وَلَا الْحُرَّةَ الْعَبْدُ» فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَمَعْنَاهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِيَهُودِيَّةٍ فَقَالَ لَهُ ﷺ لَا تَتَزَوَّجْهَا فَإِنَّهَا لَا تُحْصِنُك» وَضُعِّفَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ لَمْ يُدْرِكْ كَعْبًا، لَكِنْ رَوَاهُ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ. وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الِانْقِطَاعَ عِنْدَنَا دَاخِلٌ فِي الْإِرْسَالِ بَعْدَ عَدَالَةِ الرُّوَاةِ، وَبَقِيَّةُ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ أَوَّلَ هَذَا الشَّرْحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ هُوَ شَاهِدٌ لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فَيُحْتَجُّ بِهِ، وَلَا مَعْنَى لِفَصْلِ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِالْفُرُوعِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَهُمَا مَعًا فِي غَرَضٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الِاحْتِجَاجُ عَلَى أَبِي يُوسُفَ وَمَنْ مَعَهُ بَلْ كَانَ الْوَجْهُ جَمْعُهُمَا ثُمَّ يَقُولُ هُنَا لِمَا ذَكَرْنَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَسْهَلَ مِمَّا ادَّعَى أَنْ يُقَالَ: حِينَ رَجَمَهُمَا كَانَ الرَّجْمُ ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّتُهُ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: ﷺ «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ» ثُمَّ الظَّاهِرُ كَوْنُ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا، وَإِلَّا لَمْ يَرْجُمْهُمْ لِانْتِسَاخِ شَرِيعَتِهِمْ وَإِنَّمَا يَحْكُمُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا سَأَلَهُمْ عَنْ الرَّجْمِ فِي التَّوْرَاةِ لِيُبَكِّتَهُمْ بِتَرْكِ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ فَحَكَمَ بِرَجْمِهِمَا بِشَرْعِهِ الْمُوَافِقِ لِشَرْعِهِمْ، وَإِذَا لَزِمَ كَوْنُ الرَّجْمِ كَانَ ثَابِتًا فِي شَرْعِنَا حَالَ رَجْمِهِمْ بِلَا اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ الْمُفِيدُ لِاشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ تَارِيخٌ يُعْرَفُ بِهِ تَقَدُّمُ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ أَوْ تَأَخُّرُهُ، فَيَكُونُ رَجْمُهُ الْيَهُودِيَّيْنِ وَقَوْلُهُ الْمَذْكُورُ مُتَعَارِضَيْنِ فَيَطْلُبُ التَّرْجِيحَ، وَالْقَوْلُ يُقَدَّمُ عَلَى الْفِعْلِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ تَقْدِيمَ هَذَا الْقَوْلِ يُوجِبُ دَرْءَ الْحَدِّ وَتَقْدِيمَ ذَلِكَ الْفِعْلِ يُوجِبُ الِاحْتِيَاطَ فِي إيجَابِ الْحَدِّ، وَالْأَوْلَى فِي الْحُدُودِ تَرْجِيحُ الدَّافِعِ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ مُرَجَّحٍ فَهُوَ مَحْكُومٌ بِتَأَخُّرِهِ اجْتِهَادًا، وَلَقَدْ طَاحَ بِهَذَا دَفْعُ بَعْضِ الْمُعْتَرِضِينَ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدُّخُولِ) الْمُحَقِّقِ لِلْإِحْصَانِ (إيلَاجٌ فِي الْقُبُلِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْغُسْلَ) وَهُوَ بِغَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute