للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِذَا زَنَى الْمَرِيضُ وَحَدُّهُ الرَّجْمُ رُجِمَ)؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مُسْتَحَقٌّ فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ (وَإِنْ كَانَ حَدُّهُ الْجَلْدَ لَمْ يُجْلَدْ حَتَّى يَبْرَأَ) كَيْ لَا يُفْضِيَ إلَى الْهَلَاكِ وَلِهَذَا لَا يُقَامُ الْقَطْعُ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ

(وَإِنْ زَنَتْ الْحَامِلُ لَمْ تُحَدَّ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا) كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى هَلَاكِ الْوَلَدِ وَهُوَ نَفْسٌ مُحْتَرَمَةٌ (وَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ لَمْ تُجْلَدْ حَتَّى تَتَعَالَى مِنْ نِفَاسِهَا) أَيْ تَرْتَفِعَ يُرِيدُ بِهِ تَخْرُجُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ نَوْعُ مَرَضٍ فَيُؤَخَّرُ إلَى زَمَانِ الْبُرْءِ. بِخِلَافِ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ وَقَدْ انْفَصَلَ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ وَلَدُهَا عَنْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ؛ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ

وَأَمَّا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ ذَلِكَ عَنْهُمَا أَيْضًا فِي الْمُوَطَّأِ. وَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ عُثْمَانَ فَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ ابْنِ يَسَارٍ مَوْلًى لِعُثْمَانَ قَالَ: جَلَدَ عُثْمَانُ امْرَأَةً فِي زِنًا ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ الْمَهْرِيُّ إلَى خَيْبَرَ نَفَاهَا إلَيْهِ. فَهَذَا التَّغْرِيبُ الْمَرْوِيُّ عَمَّنْ ذَكَرْنَا كَتَغْرِيبِ عُمَرَ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ وَغَيْرَهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ لِجَمَالِهِ اُفْتُتِنَ بِهِ بَعْضُ النِّسَاءِ حَتَّى سَمِعَ قَوْلَ قَائِلَةٍ:

هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبَهَا … أَوْ مِنْ سَبِيلٍ إلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ

إلَى فَتًى مَاجِدِ الْأَعْرَاقِ مُقْتَبَلٍ … سَهْلِ الْمُحَيَّا كَرِيمٍ غَيْرِ مِلْجَاجِ

وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ نَفْيًا، وَعَلَى هَذَا كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ السُّلُوكِ الْمُحَقِّقِينَ وَرَضِيَ عَنَّا بِهِمْ وَحَشَرَنَا مَعَهُمْ كَانُوا يُغَرِّبُونَ الْمُرِيدَ إذَا بَدَا مِنْهُ قُوَّةُ نَفْسٍ وَلَجَاجٍ لِتَنْكَسِرَ نَفْسُهُ وَتَلِينَ، وَمِثْلُ هَذَا الْمُرِيدُ أَوْ مَنْ هُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ رَأْيُ الْقَاضِي فِي التَّغْرِيبِ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ فِي نَدَمٍ وَشِدَّةٍ، وَإِنَّمَا زَلَّ زَلَّةً لِغَلَبَةِ النَّفْسِ. أَمَّا مَنْ لَمْ يَسْتَحِ وَلَهُ حَالٌ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِغَلَبَةِ النَّفْسِ فَنَفْيُهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ يُوَسِّعُ طُرُقَ الْفَسَادِ وَيُسَهِّلُهَا عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا زَنَى الْمَرِيضُ وَحَدُّهُ الرَّجْمُ) بِأَنْ كَانَ مُحْصَنًا حُدَّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ قَتْلُهُ وَرَجْمُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَقْرَبُ إلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ حَدُّهُ الْجَلْدَ لَا يُجْلَدُ حَتَّى يَبْرَأَ)؛ لِأَنَّ جَلْدَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَدْ يُؤَدِّي إلَى هَلَاكِهِ وَهُوَ غَيْرُ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَرَضُ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالسُّلِّ أَوْ كَانَ خَدْلَجًا ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ فَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُضْرَبُ بِعِثْكَالٍ فِيهِ مِائَةٌ شِمْرَاخٍ فَيُضْرَبُ بِهِ دُفْعَةً، وَقَدْ سَمِعْت فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُصُولِ كُلِّ شِمْرَاخٍ إلَى بَدَنِهِ، وَكَذَا قِيلَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ حِينَئِذٍ مَبْسُوطَةً، وَلِخَوْفِ التَّلَفِ لَا يُقَامُ الْحَدُّ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالْحَرِّ الشَّدِيدِ، بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى اعْتِدَالِ الزَّمَانِ، وَهَذَا فِي الْبَرْدِ عِنْدَ مَنْ يَرَى تَجْرِيدَ الْمَحْدُودِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ، أَمَّا الْحَرُّ فَلَا. نَعَمْ لَوْ كَانَ ضَرْبُ الْحَدِّ مُبَرِّحًا صَحَّ ذَلِكَ لَكِنَّهُ شَدِيدٌ غَيْرُ مُبَرِّحٍ وَلَا جَارِحٍ فَلَا يَقْتَضِي الْحَالُ تَأْخِيرَ حَدِّهِ لِلْبَرْدِ وَالْحَرِّ، بِخِلَافِ الْقَطْعِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ جُرْحٌ عَظِيمٌ يُخَافُ مِنْهُ السِّرَايَةُ بِسَبَبِ شِدَّةِ الْفَصْلَيْنِ

(قَوْلُهُ وَإِذَا زَنَتْ الْحَامِلُ) لَمْ تُحَدَّ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا وَلَوْ جَلْدًا (كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى هَلَاكِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مُحْتَرَمَةٌ)؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ لَا جَرِيمَةَ مِنْهُ، فَلَوْ وَلَدَتْ أَوْ كَانَتْ نُفَسَاءَ فَحَتَّى تَتَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>