للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمَنْ قَذَفَ غَيْرَهُ فَمَاتَ الْمَقْذُوفُ بَطَلَ الْحَدُّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَبْطُلُ (وَلَوْ مَاتَ بَعْدَمَا أُقِيمَ بَعْضُ الْحَدِّ بَطَلَ الْبَاقِي) عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُورَثُ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا يُورَثُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ وَحَقَّ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ وَهُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ حَقُّ الْعَبْدِ، ثُمَّ إنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا وَمِنْهُ سُمِّيَ حَدًّا، وَالْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الزَّاجِرِ إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ، وَهَذَا آيَةُ حَقِّ الشَّرْعِ وَبِكُلِّ ذَلِكَ تَشْهَدُ الْأَحْكَامُ. وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْجِهَتَانِ

مَانِعٌ دُونَ الْآخَرِ فَيَعْمَلُ الْمُقْتَضِي عَمَلَهُ فِي الْآخَرِ، وَلِذَا لَوْ كَانَ جَمَاعَةٌ يَسْتَحِقُّونَ الْمُطَالَبَةَ فَعَفَا أَحَدُهُمْ كَانَ لِلْآخَرِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، بِخِلَافِ عَفْوِ أَحَدِ مُسْتَحَقِّي الْقِصَاصَ بِمَنْعِ اسْتِيفَاءِ الْآخَرِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ وَاحِدٌ لِلْمَيِّتِ مَوْرُوثٌ لِلْوَارِثِينَ، فَبِإِسْقَاطِ أَحَدِهِمَا بِالْعَفْوِ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ لِأَنَّ الْقَتْلَ الْوَاحِدَ لَا يُتَصَوَّرُ تُجْزِيهِ، أَمَّا هُنَا فَالْحَقُّ فِي الْحَدُّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِكُلِّ وِلَايَةٍ الْمُطَالَبَةُ بِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِإِسْقَاطِ أَحَدِهِمَا.

[فَرْعٌ]

يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِإِثْبَاتِ الْحُدُودِ مِنْ الْغَائِبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا فِي الْقِصَاصِ لِأَنَّ خُصُومَةَ الْوَكِيلِ تَقُومُ مَقَامَ خُصُومَةِ الْمُوَكِّلِ، وَشَرْطُ الْحَدِّ لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ، وَالْإِجْمَاعُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ الْوَكِيلُ مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ كَانَ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهُ عَفَا أَوْ أَنَّ الْمَقْذُوفَ قَدْ صَدَّقَ الْقَاذِفَ أَوْ أَكْذَبَ شُهُودَهُ، وَلَا يَخْفَى قُصُورُ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعَفْوِ بَعْدَ ثُبُوتِ السَّبَبِ لَا يُسْقِطُ الْحَدَّ فَمَعَ احْتِمَالِهِ أَوْلَى

(قَوْلُهُ وَمَنْ قَذَفَ غَيْرَهُ فَمَاتَ الْمَقْذُوفُ بَطَلَ الْحَدُّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَبْطُلُ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ مَا أُقِيمَ بَعْضُ الْحَدِّ بَطَلَ الْبَاقِي عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُورَثُ عِنْدَهُ) فَيَرِثُ الْوَارِثُ الْبَاقِي فَيُقَامُ لَهُ (وَعِنْدَنَا لَا يُورَثُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ وَحَقَّ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ وَهُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ) كَالْقِصَاصِ (فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ) أَيْ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ (هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ ثُمَّ) نَعْلَمُ (أَنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا وَمِنْهُ سُمِّيَ حَدًّا. وَالْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الزَّوَاجِرِ كُلِّهَا إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ وَهَذَا آيَةُ حَقِّ الشَّرْعِ) إذْ لَمْ يَخْتَصَّ بِهَذَا إنْسَانٌ دُونَ غَيْرِهِ (وَبِكُلٍّ) مِنْ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْعَبْدِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ (تَشْهَدُ الْأَحْكَامُ) فَبِاعْتِبَارِهِ حَقًّا لِلْعَبْدِ شُرِطَتْ الدَّعْوَى فِي إقَامَتِهِ وَلَمْ تَبْطُلْ الشَّهَادَةُ بِالتَّقَادُمِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ وَيُقِيمُهُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ إذَا عَلِمَهُ فِي أَيَّامِ قَضَائِهِ، وَكَذَا لَوْ قَذَفَهُ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي حَدَّهُ، وَإِنْ عَلِمَهُ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَقْضِيَ ثُمَّ وَلِيَ الْقَضَاءَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ حَتَّى يَشْهَدَ بِهِ عِنْدَهُ، وَيُقَدَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَى حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ إذَا اجْتَمَعَا.

وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ، وَبِاعْتِبَارِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى اسْتَوْفَاهُ الْإِمَامُ دُونَ الْمَقْذُوفِ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ، وَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا عِنْدَ سُقُوطِهِ وَلَا يَسْتَحْلِفُ عَلَيْهِ الْقَاذِفُ وَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ كَالْعُقُوبَاتِ الْوَاجِبَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ التَّالِفِ، وَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُتْلِفِ، وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْجِهَتَانِ وَلَمْ يُمْكِنْ إهْدَارُ مُقْتَضَى إحْدَاهُمَا لَزِمَ اعْتِبَارُهُمَا فِيهِ فَثَبَتَ أَنَّ فِيهِ الْحَقَّيْنِ (إلَّا أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>