للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَالتَّعْزِيرُ تَأْدِيبٌ دُونَ الْحَدِّ، وَأَصْلُهُ مِنْ الْعَزْرِ بِمَعْنَى الرَّدِّ وَالرَّدْعِ. وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا﴾ أَمَرَ بِضَرْبِ الزَّوْجَاتِ تَأْدِيبًا وَتَهْذِيبًا. وَفِي الْكَافِي قَالَ «لَا تَرْفَعْ عَصَاك عَنْ أَهْلِك» وَرُوِيَ «أَنَّهُ عَزَّرَ رَجُلًا قَالَ لِغَيْرِهِ يَا مُخَنَّثُ». وَفِي الْمُحِيطِ: رُوِيَ عَنْهُ قَالَ «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً عَلَّقَ سَوْطَهُ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُهُ» وَأَقْوَى مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَوْلُهُ «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرٍ إلَّا فِي حَدٍّ» وَسَيَأْتِي.

وَقَوْلُهُ «وَاضْرِبُوهُمْ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ» فِي الصِّبْيَانِ، فَهَذَا دَلِيلُ شَرْعِيَّةِ التَّعْزِيرِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ. وَبِالْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الزَّجْرَ عَنْ الْأَفْعَالِ السَّيِّئَةِ كَيْ لَا تَصِيرَ مَلَكَاتٌ فَيَفْحُشُ وَيَسْتَدْرِجُ إلَى مَا هُوَ أَقْبَحُ وَأَفْحَشُ فَهُوَ وَاجِبٌ. وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ عَنْ السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ بَلْ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الزَّجْرُ، وَأَحْوَالُ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ فِيهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَنْزَجِرُ بِالصَّيْحَةِ وَمِنْهُمْ يَحْتَاجُ إلَى اللَّطْمَةِ وَإِلَى الضَّرْبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى الْحَبْسِ.

وَفِي الشَّافِي: التَّعْزِيرُ عَلَى مَرَاتِبَ: تَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ وَالْعَلَوِيَّةُ بِالْإِعْلَامِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا فَيَنْزَجِرُ بِهِ، وَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ وَهُمْ الْأُمَرَاءُ وَالدَّهَاقِينُ بِالْإِعْلَامِ وَالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ، وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ وَهُمْ السُّوقَةُ بِالْجَرِّ وَالْحَبْسِ، وَتَعْزِيرُ الْأَخِسَّةِ بِهَذَا كُلِّهِ وَبِالضَّرْبِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: يَجُوزُ التَّعْزِيرُ لِلسُّلْطَانِ بِأَخْذِ الْمَالِ، وَعِنْدَهُمَا وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ. وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ سَمِعْت مِنْ ثِقَةٍ أَنَّ التَّعْزِيرَ بِأَخْذِ الْمَالِ إنْ رَأَى الْقَاضِي ذَلِكَ، أَوْ الْوَالِي جَازَ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ رَجُلٌ لَا يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ يَجُوزُ تَعْزِيرُهُ بِأَخْذِ الْمَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِيَارِ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ الْمَشَايِخِ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: يَجُوزُ التَّعْزِيرُ الَّذِي يَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِكُلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>