قُلْنَا: أَخْرَجَهُ عَنْ وِفَاقِ الْعَادَةِ، وَاَلَّذِي يُؤْوِيهِ الْجَرِينُ فِي عَادَتِهِمْ هُوَ الْيَابِسُ مِنْ الثَّمَرِ وَفِيهِ الْقَطْعُ.
قَالَ (وَلَا قَطْعَ فِي الْفَاكِهَةِ عَلَى الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ الَّذِي لَمْ يُحْصَدْ) لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ
«لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ قَطْعٌ حَتَّى يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ».
وَأَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ سَوَاءٌ أَجَابَ (بِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ وَفْقِ الْعَادَةِ، وَاَلَّذِي يُؤْوِيهِ الْجَرِينُ فِي عَادَتِهِمْ هُوَ الْيَابِسُ مِنْ الثَّمَرِ وَفِيهِ الْقَطْعُ) لَكِنْ مَا فِي الْمُغْرِبِ مِنْ قَوْلِهِ: الْجَرِينُ الْمِرْبَدُ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُلْقَى فِيهِ الرُّطَبُ لِيَجِفَّ وَجَمْعُهُ جُرُنٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَكُونُ فِيهِ الرُّطَبُ فِي زَمَانٍ وَهُوَ أَوَّلُ وَضْعِهِ، وَالْيَابِسُ وَهُوَ الْكَائِنُ فِي آخِرِ حَالِهِ فِيهِ، ثُمَّ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَفْظُ الْجِرَانِ، وَكَأَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ الْجِرَانُ فَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الشَّكِّ، وَجِرَانُ الْبَعِيرِ مُقَدَّمُ عُنُقِهِ مِنْ مَذْبَحِهِ إلَى مَنْخِرِهِ، وَالْجَمْعُ جُرُنٌ، فَجَازَ أَنْ يُسَمَّى بِهِ هَاهُنَا الْجِرَابُ الْمُتَّخَذُ مِنْهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ حَتَّى يُؤْوِيَهُ الْمِرْبَدُ أَوْ الْجِرَابُ، ثُمَّ الْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِ حَتَّى يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ: أَيْ الْمِرْبَدُ حَتَّى يَجِفَّ: أَيْ حَتَّى يَتِمَّ إيوَاءُ الْجَرِينِ إيَّاهُ فَإِنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ يُنْقَلُ عَنْهُ وَيُدْخَلُ الْحِرْزَ، وَإِلَّا فَنَفْسُ الْجَرِينِ لَيْسَ حِرْزًا لِيَجِبَ الْقَطْعُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حَارِسٌ يَتَرَصَّدُهُ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ ﷺ «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ» وَقَوْلُهُ «لَا قَطْعَ فِي الطَّعَامِ» أَمَّا الْأَوَّلُ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ: «أَنَّ غُلَامًا سَرَقَ وَدِيًّا مِنْ حَائِطٍ، فَرُفِعَ إلَى مَرْوَانَ فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ، فَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ».
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَفِي الْقِسْمِ الثَّانِي. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: هَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. وَرَوَاهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ وَاسِعًا انْتَهَى. وَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَارَضَ الِانْقِطَاعُ وَالْوَصْلُ، وَالْوَصْلُ أَوْلَى لِمَا عُرِفَ أَنَّهُ زِيَادَةٌ مِنْ الرَّاوِي الثِّقَةِ، وَقَدْ تَلَقَّتْ الْأُمَّةُ هَذَا الْحَدِيثَ بِالْقَبُولِ فَقَدْ تَعَارَضَا فِي الرُّطَبِ الْمَوْضُوعِ فِي الْجَرِينِ، وَفِي مِثْلِهِ مِنْ الْحُدُودِ يَجِبُ تَقْدِيمُ مَا يَمْنَعُ الْحَدَّ دَرْءًا لِلْحَدِّ، وَلِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْمَسْرُوقَ بِمِثْلَيْ قِيمَتِهِ، وَإِنْ نُقِلَ عَنْ أَحَدٍ فَعُلَمَاءُ الْأُمَّةِ عَلَى خِلَافِهِ لِأَنَّهُ لَا يَبْلُغُ قُوَّةَ ثُبُوتِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ فَلَا يَصِحُّ عَنْهُ ﵊ ذَلِكَ، فَفِيهِ دَلَالَةُ الضَّعْفِ أَوْ النَّسْخِ فَيَنْفَرِدُ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ الْمُعَارِضِ، فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ يَتَقَيَّدُ حَدِيثُ الثَّمَرِ وَالْكَثَرِ بِهَذَا التَّفْصِيلِ: يَعْنِي يُفَصَّلُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ بَيْنَ أَنْ يَأْكُلَهُ مِنْ أَعْلَى النَّخْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، أَوْ يُخْرِجَهُ فَفِيهِ ضِعْفُ قِيمَتِهِ. وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ، أَوْ يَأْخُذَهُ مِنْ بَيْدَرِهِ فَيُقْطَعُ وَالْكَثَرُ الْجُمَّارُ. وَقِيلَ هُوَ الْوَدِيُّ وَهُوَ صِغَارُ النَّخْلِ، وَجَزَمَ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّهُ خَطَأٌ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ إنِّي لَا أَقْطَعُ فِي الطَّعَامِ» وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَلَمْ يُعِلَّهُ بِغَيْرِ الْإِرْسَالِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ عِنْدَنَا فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِمُوجِبِهِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْحِنْطَةِ وَالسُّكَّرِ لَزِمَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفُسَاءُ كَالْمُهَيَّإِ لِلْأَكْلِ مِنْهُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَاللَّحْمِ وَالثِّمَارِ الرَّطْبَةِ مُطْلَقًا فِي الْجَرِينِ وَغَيْرِهِ. هَذَا وَالْقَطْعُ فِي الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا إجْمَاعًا إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ سَنَةِ الْقَحْطِ، وَأَمَّا فِيهَا فَلَا، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ أَوْ لَا لِأَنَّهُ عَنْ ضَرُورَةِ ظَاهِرٍ، أَوْ هِيَ تُبِيحُ التَّنَاوُلَ، وَعَنْهُ ﵊ «لَا قَطْعَ فِي مَجَاعَةِ مُضْطَرٍّ» وَعَنْ عُمَرَ ﵁ «لَا قَطْعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute