وَصَارَ كَمَا إذَا قَذَفَ الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ الْمَقْذُوفَ الْأَوَّلَ. قَالَ (فَإِنْ تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ غَزْلًا فَسَرَقَهُ وَقُطِعَ فَرَدَّهُ ثُمَّ نُسِجَ فَعَادَ فَسَرَقَهُ قُطِعَ) لِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَبَدَّلَتْ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ عَلَامَةُ التَّبَدُّلِ فِي كُلِّ مَحَلٍّ،
بَقَاءَ السُّقُوطِ الَّذِي تَحَقَّقَ بِالْقَطْعِ فَحَيْثُ عَادَتْ الْعِصْمَةُ وَانْتَفَى السُّقُوطُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ كَانَ مَعَ شُبْهَةِ عَدَمِهِ فَيَسْقُطُ بِهَا الْحَدُّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ السُّقُوطَ لَيْسَ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَقْطُوعِ يَدَهُ لَا سِوَاهُ فَيُقْطَعُ، وَبِخِلَافِ صُورَةِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ السَّارِقِ وَسَرِقَةُ السَّارِقِ إيَّاهُ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ فِيهِمَا تَبَدُّلَ الْمَلِكِ، وَتَبَدُّلُ الْمِلْكِ يُوجِبُ تَبَدُّلَ الْعَيْنِ حُكْمًا كَمَا عُرِفَ مِنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ مِنْ قَوْلِهِ ﵊ «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا مِنْهَا هَدِيَّةٌ» مَعَ أَنَّهُ عَيْنُ اللَّحْمِ، مَعَ أَنَّ مَشَايِخَ الْعِرَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي صُورَةِ تَبَدُّلِ الْمِلْكِ بِالشِّرَاءِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَهُ فَلَا يَتِمُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ مَشَايِخِ بُخَارَى يُقْطَعُ لِتَبَدُّلِ الْعَيْنِ حُكْمًا وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا.
وَأَيْضًا فَتَكْرَارُ الْجِنَايَةِ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ نَادِرٌ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ لَا يُشْرَعُ فِيهِ عُقُوبَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ زَاجِرَةٌ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تُعَرَّى عَنْ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجِنَايَةِ، إذْ هِيَ قَلِيلَةٌ بِالْفَرْضِ فَلَمْ تَقَعْ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ، وَصَارَ كَمَا لَوْ قَذَفَ شَخْصًا فَحُدَّ بِهِ ثُمَّ قَذَفَهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزِّنَا بِأَنْ قَالَ أَنَا بَاقٍ عَلَى نِسْبَتِي إلَيْهِ الزِّنَا الَّذِي نَسَبْته إلَيْهِ لَا يُحَدُّ ثَانِيًا، فَكَذَا هَذَا، أَمَّا لَوْ قَذَفَهُ بِزِنًا آخَرَ حُدَّ بِهِ. وَأُورِدَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ النَّقْضُ بِالزِّنَا ثَانِيًا بِالْمَرْأَةِ الَّتِي زَنَى بِهَا أَوَّلًا بَعْدَ أَنْ جُلِدَ حَدًّا بِزِنَاهُ الْأَوَّلِ بِهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ ثَانِيًا إجْمَاعًا، فَلَمْ يَكُنْ تَقَدُّمُ الزَّاجِرِ مُوجِبًا لِعَدَمِ شَرْعِيَّتِهِ. ثَانِيًا وُقُوعُهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لَوْ شَرَعَ. وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَحَلِّ فِي الزِّنَا لَا تَسْقُطُ بِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ، وَهَذَا فَرْقٌ صَحِيحٌ يَتِمُّ بِهِ وَجْهُ اخْتِلَافِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ لَكِنَّهُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِلنَّقْضِ الْوَارِدِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِخُصُوصِهِ: أَعْنِي كَوْنَ إقَامَةِ الْحَدِّ أَوَّلًا تُوجِبُ نُدْرَةَ الْعَوْدِ فَتُوجِبُ عَدَمَ شَرْعِ الزَّاجِرِ فِي الْعَوْدِ، وَكَذَا الْفَرْقُ بِأَنَّ الْقَطْعَ حَقٌّ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ وَالْخُصُومَةُ لَا تَتَكَرَّرُ فِي مَحَلٍّ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مُوجِبِ مَا هِيَ فِيهِ كَحَدِّ الْقَذْفِ غَيْرِ دَافِعِ الْوَارِدِ عَلَى خُصُوصِ هَذَا الْوَجْهِ الْمُدَّعَى اسْتِقْلَالُهُ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ) الْمَسْرُوقُ الَّذِي قُطِعَ بِهِ (غَزْلًا ثُمَّ نُسِجَ) بَعْدَ رَدِّهِ (فَسَرَقَهُ) ثَانِيًا (قُطِعَ) وَكَذَا لَوْ كَانَ قُطْنًا فَصَارَ غَزْلًا (لِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَبَدَّلَتْ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ) وَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ مَعَ قِيَامِهِ بِصُورَةِ الثَّوْبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute